سيّد
وحيد على بلد منقسم...هل يستطيع الرئيس اليمني الصمود؟
2010/04/30
الجريدة الكويتية نجح علي عبدالله صالح في تحريض القبائل
والأحزاب والفئات الدينية ضدّ بعضها أو أقدم على رشوة قادتها للقبول
بشروطه، وللحصول على المساعدات الأجنبية، وركّز على نقطة ضعف اليمن
المستمرة، أي التعددية الصريحة إذا لم نقل الديمقراطية الحقيقية ومعالمها
المدهشة.
يوجد سبب وجيه يدفعنا إلى إبداء إعجابنا بحذاقة الرئيس اليمني
المحاصر علي عبد الله صالح، لقد حكم شمال اليمن منذ عام 1978، ثم حكم
البلاد منذ عام 1990 بعد توحيدها مع الجنوب الذي كان مستقلاً، ويتوزع
السكان الذين يبلغ عددهم 24 مليون نسمة في الصحارى والجبال الوعرة في 150
ألف منطقة سكنية، فموارد البلاد محدودة، وقبائلها مستقلة جداً ومدعمة
بالأسلحة، وأزمات الفقر والأمية وسوء التغذية مستمرة، فيصعب حكم هذه البلاد
إذن، ونادراً ما وصل نفوذ دولة صالح إلى أبعد من بلدات اليمن الرئيسة
وطرقاتها وحقولها النفطية، لكن من الملاحظ أن صالح بقي مسيطراً على الوضع
بنسبة معينة، لكن في هذه الأيام، حتى صالح الحذق يجد صعوبة كبرى في الحفاظ
على السلام والأمن.يشكل 'القات'، ورقة نبات تعطي شعوراً بالنشوة ويمضي معظم
اليمنيين أوقاتهم في مضغها، عاملاً مهدّئاً مهماً، غير أن صالح نجح في
تحريض القبائل والأحزاب والفئات الدينية ضدّ بعضها أو أقدم على رشوة قادتها
للقبول بشروطه. وللحصول على المساعدات الأجنبية، ركّز على نقطة ضعف اليمن
المستمرة، أي التعددية الصريحة إذا لم نقل الديمقراطية الحقيقية ومعالمها
المدهشة. في غضون ذلك، وضع صالح نفوذاً أكبر وأموالاً أكثر في أيدي أسرته
وقبيلته الممتدة.لكن بدأ سحره يتلاشى في الآونة الأخيرة، فطوال السنوات الست
الأخيرة، تكبّد مصاريف إضافية مكلفة لإرسال جيشه وشن حملات سنوية ضد حركة
تمرد قبلية في الشمال، ما أدى إلى تهجير ما يقارب 200 ألف شخص، وفي شهر
فبراير، رضي باتفاق جديد لوقف النار، لكن يبدو أن الصراع لم يخفّ بالقدر
المطلوب. لقد صمد الحوثيون، وهو اسم المتمردين تيمناً باسم قبيلة بارزة
موجودة في منطقة نائية ووعرة، في وجه الاعتداءات المتكررة التي نفذها الجيش
اليمني المعاصر بالإضافة إلى عمليات القصف العنيف التي جرت في الحملة
الأخيرة بواسطة الطائرات المقاتلة 'تورنادو' و'إف-15' التابعة للقوات
الجوية السعودية. تفسّر الحكاية الآتية السبب... ففي إحدى ليالي
الاشتباكات، قيل إن الحوثيين ربطوا مشاعل في 12 رأسا من الماعز وقادوا
القطيع إلى نطاق قريب من فصيلة الجيش اليمني، فأطلق الجنود النار وكشفوا عن
موقعهم... يُقال إن الأعداد القليلة التي نجت من هجوم الحوثيين المضاد
غادروا الموقع فوراً. يميل اليمنيون إلى اعتبار أن الخطر الذي تطرحه
الجماعات الجهادية المسلحة مبالغ فيه مقارنةً بخطر الحوثيين، فتشمل تلك
الجماعات فرعاً محلياً لـ'القاعدة'، وهو كان يبحث عن ملجأ آمن في المناطق
النائية الخارجة على القانون، غير أن الهجمات الإرهابية العشوائية على
الأهداف الغربية والقوات الأمنية اليمنية أدت إلى إبعاد الاستثمارات
الأجنبية التي يحتاج إليها البلد بشدة. خاض صالح لعبة خطيرة مع المتطرفين
الإسلاميين، فقد دعم طرد المجاهدين إلى أفغانستان خلال الثمانينيات وحشد
مساعدة الجهاديين في حملاته الخاصة ضد الانفصاليين في الجنوب خلال
التسعينيات، وضد الحوثيين أيضاً كما يُقال، علماً أن عدداً كبيراً منهم
ينتمي إلى الطائفة الزيدية الإسلامية، وهي طائفة شيعية يبغضها المجاهدون
السُنّة، لكنه تعاون أيضاً مع الجهود الغربية لمكافحة الإرهاب. حتى لو كان
هذا النوع من التنسيق يوفّر مساعدة أجنبية مفيدة، إلا أنه قد يؤدي إلى
ارتدادات عكسية على المستوى الوطني، ما يساعد الجهاديين في تحقيق أهدافهم.كانت عمليات القصف التي حصلت في ديسمبر على يد القوات اليمنية
الخاصة بواسطة المعدات الأميركية وبدعم من الاستخبارات الأميركية مثالاً
حياً على الوضع القائم، ففي ذلك الوقت، قيل إن عمليات القصف قتلت عشرات
المقاتلين التابعين لـ'القاعدة'، وبعد ذلك، اعترف المسؤولون في الحكومة
الذين تعرّضوا لإحراج كبير بمقتل 42 مدنياً، إلى جانب مقاتلَين لا أكثر،
وتابعت القوات اليمنية ضرب خلايا المجاهدين، واستمر تدفق المساعدات الأمنية
الأجنبية، وأعلن البنتاغون حديثاً أنه سيخصص 34 مليون دولار كمساعدة
تكتيكية إلى القوات اليمنية الخاصة كجزء من مبلغ 150 مليون دولار الذي
التزمت به الولايات المتحدة هذه السنة، بعد أن اقتصرت في السنة الماضية على
67 مليون دولار.ومع ذلك، واجه المسؤولون اليمنيون إحراجاً كبيراً حين أصر
الأميركيون مثلاً على المطالبة بنفي عبدالمجيد الزنداني، وهو رجل دين شعبي
مرموق يترأس حزباً سياسياً إسلامياً نافذاً ومدرسة متهمة بنشر أفكار
المجاهدين. الأسوأ من ذلك هو أن المسؤولين في إدارة باراك أوباما قالوا إن
القوات الأميركية قد تستهدف أنور العولقي، وهو واعظ يمني مولود في الولايات
المتحدة ومتّهَم بارتباطه بأحداث إرهابية عدة، بما في ذلك المحاولة التي
نفذها رجل نيجيري فخّخ ملابسه الداخلية لتفجير طائرة مدنية فوق ديترويت في
شهر ديسمبر. العولقي ليس معروفاً في اليمن لكنه يتحدّر من عائلة مرموقة
تنتمي إلى قبيلة عولقي النافذة، وتضمّ أرضها الواقعة في مقاطعة شبوة
اليمنية خط أنابيب نفط حيوياً. يجب أن يكسب صالح دعم قبيلة العولقي لا
لضمان المكاسب النفطية فحسب، ولو كانت في صدد التراجع، بل لكبح حركة
انفصالية ناشئة في الجنوب، وبالنسبة إلى الكثيرين في اليمن، فإنه أخطر
تهديد أمني تواجهه البلاد. يضمّ الجنوب الذي كان دولة مستقلة منذ عام 1967
(حين أنهت بريطانيا 128 عاماً من حكم ما كان يُسمى محمية عدن) حتى عام
1990، حوالي خُمس الشعب اليمني فقط، لكنه يشمل ثلثي الأراضي ومعظم موارد
النفط والغاز التي تزوّد الحكومة المركزية بثلاثة أرباع مدخولها. خاب أمل
سكان الجنوب بعد أن كانوا يشعرون بحماس شديد تجاه توحيد البلاد مع الشمال
منذ عشرين عاماً، ويقارن الكثيرون بين مفهوم العدالة في العهد الماركسي في
أيام الاتحاد السوفييتي مع الفساد والبطالة والتعصب الديني والخروج على
القانون بسبب سيطرة هذا المنحى في الشمال. في السنوات الأخيرة، أصبحت
مآسيهم أكبر وأشدّ. يُقال إن سكان الشمال صادروا أفضل الأراضي واستغلوا
أفضل فرص العمل، في حين هُمّش سكان الجنوب، بمن فيهم الضباط العسكريون.
تحولت عدن، العاصمة الجنوبية التي كانت سابقاً مرفأً تجارياً بارزاً، إلى
منطقة خامدة، ولم تتحقق الوعود باستقطاب استثمارات كبرى، فقد ذهب مدخول
النفط إلى العاصمة الوطنية، صنعاء، ويُقال إنها تصب مباشرةً في جيوب أصدقاء
صالح.قُمعت التظاهرات وأعمال الشغب التي هبت عشوائياً في الجنوب
منذ عام 2007 بوحشية متزايدة، ويقول أصحاب الحملات في الجنوب إن الشرطة
قتلت حوالي 148 مدنياً في السنة الماضية و36 آخرين حتى اللحظة في هذا
العام، ووفقاً لمصادر الحكومة، وصل عدد القتلى المدنيين هذا العام إلى
ثمانية أشخاص، بالإضافة إلى عشرة رجال شرطة، لكن حصيلة القتلى الضئيلة هذه
لا تعكس قوة مشاعر أهل الجنوب وتأثيرها، وعدا عن عدن والبنى التحتية
النفطية التي تحظى بحماية كبرى، أصبح معظم الجنوب منطقة خطر على القوات
الأمنية الشمالية. يدّعي حاكم عدن أن جميع سكان مدينته بلا استثناء يدعمون
وحدة البلاد، لكن على أرض الواقع، توسّل ثلاثة أشخاص في يوم واحد المراسل
الذي أجرى المقابلات ألا ينقل كلامهم خوفاً من التعرض للقتل على يد الشرطة،
ثم عبّروا عن سلسلة من الشكاوى المريرة بالهمس، وقال أحد المفكرين: 'لو
تكلمت عن الفدرالية، لتعرّضت للرجم حتى الموت، فالشعب يريد الاستقلال
الكامل أو لا شيء'.يميل المسؤولون في الشمال إلى تبديد هذه الأقاويل، ويصرّون
على أن الاقتصاد، لا السياسة، هو أصل العلة في اليمن، لكن الفشل في احتواء
الحركة الانفصالية ستقضي على أهم إنجاز حققه صالح، فقد يفسّر هذا الأمر
السبب الذي دفعه إلى تجاهل الأسئلة المتعلقة بالقادة المنفيين في الدولة
الجنوبية السابقة، ويتحدث البعض عن سلسلة لقاءات سرية في العواصم العربية
تهدف إلى عقد صفقة يوافق بموجبها قادة الجنوب على دعم تغيير الدستور، وهو
ما يسعى إليه صالح، مقابل درجة معينة من الاستقلال، وسيبقى صالح في الحكم
مع أنه ممنوع راهناً من إعادة الترشح حين ينتهي عهده عام 2013.هل ستُنقِذ المساعدات الإضافية مصير صالح؟ لا وجود لأي ضمانات بنجاح هذه الفكرة
حتى لو وافق أهل الجنوب عليها، إذ يواجه الرئيس تحدياً كبيراً جديداً، وفي
الواقع، إن نظام الدعم الذي بناه والذي يرتكز على رشوة القبائل والخصوم
السياسيين مع الحفاظ على فئة اجتماعية موالية من البيروقراطيين العاطلين عن
العمل وعناصر الشرطة وضباط الجيش، ملطّخ بأموال النفط، فلم يكن اليمن
يوماً منتجاً كبيراً للنفط، وبلغت المكاسب ذروتها عام 2002 لكنها قد تتلاشى
خلال عقد من الزمن، وبرأي أحد علماء الاجتماع العرب، لا يمكن شراء الولاء
في مجتمع قبلي، بل يمكن استئجارها فقط.تراجعت قيمة العملة اليمنية في الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى
تسريع معدلات التضخم في وقتٍ يفتقر فيه 8 ملايين يمني إلى الأمن الغذائي
ويعاني 58% من الأطفال سوء التغذية، وتضم صنعاء، مدينة شهدت نمواً سريعاً
وتشمل مليوني نسمة، مقاهي فخمة ومتاجر كبرى مليئة بالسلع والمخزونات وشوارع
مكتظة. لكنها تضمّ في الوقت نفسه عدداً هائلاً من المتسولين على مفترق
الطرقات، فمنذ أسبوعين، ينفّذ الأساتذة في الجامعة الحكومية الرئيسة
إضراباً لزيادة رواتبهم، ويهدد اتحاد التجار بالانضمام إلى حركة الإضراب،
وإذا عجز صالح عن تحقيق نسبة ولو بسيطة من الازدهار لشعبه، فقد تنتقل روح
الثورة إلى عقر داره.The Economist
المصدر : الجريدة الكويتية