اكتب إليك من غيابات السجن وظلماته. واعرف انك - يا غالية -
في احدى
زوايا البيت تسندي وجهك الحزين على راحة يمناك، هكذا كنت
أشاهدك في أيام
أحزانك وما أكثرها.. كان آخرها وقبل اعتقالي حزنك الطويل على
فلذة كبدك
شقيقي المرحوم الذي توفاه الله قبل عامين وهو في ريعان الشباب
.
اعلم يا أمي اني ضاعفت أحزانك، وسببت لك القلق، والأرق منذ
اعتقالي
واختطافي والزج بي في سجون صنعاء في 12 مايو العام الماضي
وحتى الآن.
ولكن ثقتي في صبرك الجميل، الذي تتسمي به منذ أن فقدتي والدي
الشهيد في
سبعينات القرن الماضي، وفي أيمانك القوي بالله الذي لا يتزعزع
ولا يلين،
هو من أكسبك الإصرار على تعلم القراءة وحفظ القران وقد
تجاوزتي السبعين
من العمر .. عمرك المديد ان شاء الله .. من صبرك – يا أمي –
تعلمت الصبر
على المكاره، ومنه أستمد قوتي وطاقتي التي لا تنضب كلما
تذكرتك.
كنت أعرف قبل ان يقال لي بأنك من اجلي أضفتي يوما ثالث لصيامك
الأسبوعي
تطوعا وتقربا لله واستعطافا لرحمته وترجيا ان يطلق سراحي ..
لا أبالغ إذا
زعمت اني أكاد اسمع دعائك لي سرا وجهرا وأكاد أرى حبيبات
دموعك الغالية
تحفر أخاديد وجهك السمح والتي تشبه الى حد ما حبيبات الكهرمان
وهي تنساب
بين أناملك في تسبيح لا نهائي ..
أمي .. والدتي الغالية ..
مهما قلت او عملت لا استطيع ان أوفيك لحظة قلق واحدة . فكل
طلبي ان تسامحيني ..
واعلمي ان حالك اليوم قد يكون أفضل من حال كثير من أمهات
أخريات ممن
استشهد أولادهن أو جرحوا في ميادين النضال السلمي بأيدي
وأدوات القمع
وجبروت الظلم والاستبداد وهم عزل من السلاح ولا حول لهم ولا
قوة .. تذكري
تلك الأمهات العظيمات انهن من "أجمل الأمهات ..." . تذكري ام
عمر الصبيحي
وأم حمادة وأم وضاح وأم عبد الناصر وأم شفيق وأم الصارطي وأم
بارجاش وأم
التوم وأم عبد العليم وأم سيف علي وأم ناصر وأم سالم وأم عبد
الحكيم وأم
صدام وأم المارمي وأم بن عبيد وغيرهن من مئات الأمهات
المكلومات
والمفجوعات في أولادهن من الشهداء والجرحى ممن سقطوا في
الثلاث السنوات
الماضية .. فلا تنسي يا امي حين ترفعي كفيك الطاهرتين بالدعاء
ان تدعي
لهن بالصبر والسلوان وللشهداء من أبنائهن الرحمة والمغفرة ..
أدعي لهن
ادعي للشهداء وللجرحى ادعي لجميع المعتقلين كما تدعين لي ..
واعلمي ان ما باليد حيلة وقد أصبحنا معتقلين . منا من هو في
السجن الكبير
ومنا من هو في زنازين صغيرة دون ذنب اغترفنا أو جرم ارتكبناه ،
لم نقتل
احدا ولم ننهب ارض احد ، لم نسرق او ننصب على احد. أخلاقنا
التي تعلمناها
من آبائنا وأمهاتنا وأهلنا ، من مجتمعنا الحر المتحضر، ومن
تعاليم
عقيدتنا الإسلامية السمحاء . تعلمنا رفض الظلم والطغيان
ومقاومته . قال
رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا
فليغيره بيده فمن
لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان" ..
وما عملناه
هو انا استنكرنا المنكر وفضحناه، رفضناه وقاومناه بأقلامنا
ونضالنا
السلمي ..
نحن نعلم بان الظلمة والطغاة وبما يمتلكون من وسائل قمعية، لن
يتوانوا في
محاولاتهم – الفاشلة - النيل منا وكسر إرادتنا، ومحاولة
تركيعنا وإذلالنا
بشتى الأساليب الوحشية واللا أخلاقية . ولكن هيهات هيهات فلم
ولن
يستطيعوا مهما عتوا في طغيانهم ان ينتزعوا منا مبادئنا التي
نؤمن بها ..
لن يمسخوا أخلاقنا الفاضلة، ولن نبيع ذممنا .. وليعلموا ان
عزائمنا
الفولاذية نستمدها من إيماننا بالله ومن عزيمة شعبنا الحي
الصابر المجاهد
الذي يقدم التضحيات تلو التضحيات .
واعلمي - يا والدتي العظيمة الصابرة - ان هذا الظلم والعدوان
الذي ابتلى
به شعبنا اليوم هو عينه الذي جعل والدك الفقيد شيخ النضال
(محمد ناصر
الجعري) وزملاؤه المناضلين الأبطال في مختلف مناطق الجنوب أن
ينتفضوا في
خمسينات وستينات القرن الماضي، مرورا بالثورة الأكتوبرية في
63م، ووصولا
الى الاستقلال المبارك من نير الاستعمار البريطاني البغيض،
وخروج آخر
جندي بريطاني من عدن في ال30 من نوفمبر 1967م .
أخيرا وليس بآخر سامحيني إذ كدرت حياتك، وأكثري من الصلاة
والدعاء.
وتقبلي فائق التقدير والاحترام وجعلني الله بارا بك . وحسبنا
الله ونعم
الوكيل.
* احمد الربيزيالسجن المركزي صنعاء
السبت 1 مايو - 22:49 من طرف النمر المقنع