كُتِبَ الكثير عن الحراك السلمي الجنوبي خلال الأعوام الماضية . . عن جذوره وأسباب نشوءه , وعن علاقة سياسات نظام الاحتلال وممارساته الهمجية في إحياء الحس النضالي ويقضه شعب الجنوب , ونهوضه للذود عن وطنه وهويته وتاريخه وكرامته حفاظاً على مستقبله ومصير وطنه وأجياله القادمة . ولكن السؤال المطروح هو :- ما معنى الحراك السلمي الشعبي الجنوبي ؟. هل كان خيار النضال السلمي خياراً صحيحاً , راعى فيه الحراك الجنوبي المتغيرات الإقليمية والدولية وأدرك الظروف الذاتية والموضوعية الداخلية ؟. وهل كان إعلان شعب الجنوب عن نضاله السلمي عبثياً , أم أن له جملة من الأسباب الضاغطة بقوة على مفاصل حياته , تراكمت خلال الحقب الزمنية المتلاحقة ؟.
ورغم الظروف غير الطبيعية التي يعيشها المواطن الجنوبي , نتيجة عدم استقرار أوضاع مجتمعة ووطنه وانهماكه الدائم في الكفاح لإعالة أسـرته ومحاولة تأمين حياة كريمة تليق بها , فإن الهم السياسي يحتل مركز الصدارة في ذهنه وهو يأتي في مقدمة اهتماماته , لأسباب عدّه . . أهمها : الرغبة بوضع نهاية لحياة المآسي والمحن التي عايشها منذُ أكثر من نصف قرن من الزمن , تسببت بها أنظمة حكم شمولية مارست ضده شتى أنواع الظلم والإقصاء والتهميش , حكمته قهراً مخالفة لمبادئ وأسس التّطور الحقيقي لتنمية المجتمعات وبناء الأوطان .
وقبل الإجابة على تلك الأسئلة , لابد من توضيح بعض البديهيات والحقائق التاريخية المقتبسة من كُتب التاريخ , عن التمايز والتباين في الموروث الحضاري / الثقافي لتراث التجمعات والكيانات والقبائل والظواهر الاجتماعية , التي استوطنّت وعاشت في مناطق الجهة الجغرافية الواقعة جنوب وجنوب غرب شبة جزيرة العرب المعروفة بـ( اليمن ) منذ القِدٌم وحتى اليوم . هذا التوضيح سيفضي إلى فهم حقيقة القضية الجنوبية , وتعريف جماهير الحراك في الداخل والخارج والرأي العام بعدالة القضية الجنوبية , وحق شعب الجنوب المشروع في النضال لتقرير مصيره وتحديد مستقبلة . وهي كالتالي:
• إن لكل مجتمع من المجتمعات عاداته وتقاليده وأعرافه التي تشكلت عبر الأزمنة , وأعطته هويته التاريخية والوطنية والاجتماعية المرسومة باسمه , حيث استمدت قوة اعتمادها والأخذ بها من حاجة الأفراد إليها وإجماع المجتمع عليها والتي قد لا يعتمدها أو يعمل بها غيرة , بفعل البيئة الاجتماعية والخصوصية الثقافية المكتسبة ( الموروث ) . فبعض العادات والتقاليد والأعراف والنواميس التي لها مفهوماً مألوفاً عند تجمع من التجمعات , ليس بالضرورة أن يكون لها نفس المفهوم عند غيرة والعكس بالعكس .
• يعتبر الموروث البيئي والثقافي والحضاري للمجتمعات هو المؤشــر الأول , الذي يدل على مستوى الوعي ونبض الحياة عند مختلف المجتمعات والشعوب .
• الإنسان ابن بيئته الاجتماعية والثقافية , ومنتج من منتجات تراثه الحضاري المميز له عن غيرة , بفعل التأثير البيئي الذي نشأ الشخص فيه وترعرع في محيطة , وبفعل معايير القيم والعلاقات والمعاملات والسلوك التي اكتسبها , والعادات والتقاليد التي تعلمها .
• يوصف الوضع القائم اليوم في الجنوب بالاحتلال الجاثم على صدور أبناءه وعلى تراب أرضة ووطنه. هذا الاحتلال يمارس القمع والظلم والسلب والنهب والاستبداد منذ عام 94م وحتى اليوم .
2
• اعتبار نضال شعب الجنوب السلمي حقاً مشروعاً , ولِد من معاناة شعبية حقيقية شاملة عمٌت المجتمع وشملت كافة مجالات الحياة , وتتجلٌى صورة المعاناة بالممارسات والإجراءات الفاضحة لسلطة الاحتلال ضد شعب الجنوب .
• إن معالجة القضايا والمشاكل تبدأ أولاً من الاعتراف بوجودها والتعرف على تفاصيلها وأسبابها , ثم من الجدّية والمصداقية بالعمل على حلها , وليس من التسويف واللجوء إلى أسلوب إدارة النتائج ومعالجة التداعيات وما نتج عنها .
• لقد كان جهل إخواننا ( الجنوبيين ) , الذين حكموا الجنوب من عام 67م حتى عام 90م مع أغلبية ( شمالية ) , بتاريخ شعب الجنوب وصراعه القديم / الجديد مع الزيديه , السبب الرئيسي الذي أدى بكامل شعب الجنوب ووطنه إلى هذا المصير المحزن , والمثال على الجهل بالتاريخ . . النسيان شبه التام لأحداث ووقائع غزوات الجيوش الزيديه المتكررة لمناطق الجنوب , وصراع أبناءه المرير معها دفاعاً عن أراضيهم ووطنهم . . وهو الصراع الذي استمر سجالاً بين الجانبين منذُ نشوء الحكم الزيدي في الشمال حتى اليوم . وإلاّ كان على إخواننا الحكّام آنذاك أن يدركوا حينها بأن الحماسة والاندفاع لما يسمى بالوحدة المزعومة تخفي وراءها احتلالاً استيطانياً للجنوب طمعاً بالثروة والأرض , وخطراً يهدد بإلغاء الهوية الوطنية الجنوبية , وإنه لم يكن سوى استمرار لذلك الصراع القديم / الجديد الذي لم يحسم بعد .
• إذا كان الجهل بالتاريخ في الماضي قد أوقع شعب الجنوب بما آل إليه واقعهم اليوم , فإن تجاهلهم للواقع الجنوبي المتحرك المواكب للمتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية , وعدم الاستفادة من العِبّـر المستخلصة من دروس الماضي واستمرار التفكير بعقلية عفا عليها الزمن , هو تكرار وتكريس لأخطاء الماضي نفسها بحق شعب الجنوب .
وحتى تكتمل الصورة وتتضح , ينبغي لنا المرور عبر مراحل تاريخية تشكّلت خلالها تجمعات وظواهر وكيانات سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية قبل وبعد ظهور الإسلام . فقبل الإسلام وفي آن واحد , تشكّلت عِدّة دول مستقلة على أجزاء متفرقة من المنطقة , لكل منها صفاتها الخاصة الذي ترتّب عليها سلوك أفرادها وظروف معيشتها وأوضاع مجتمعها , حيث تركت أثرها على عادات وتقاليد وأعراف أبناؤها فتوارثوها جيلا بعد جيل . من تلك الكيانات دولة قتبان ومعين وأوسان وسبأ وحضرموت ودولة حمير وغيرها . أما بعد ظهور الإسلام فقد كانت المنطقة مجزأة إلى ثلاثة أجزاء , لكل منها واليٍ مستقل يحكمها ( حضرموت ــ الجند ــ صنعاء ) . وعلى أثر تفكك الدولة العباسية وانهيارها قامت على أراضي المنطقة عدد من الكيانات المستقلة , أشهرها دولة علي بن الفضل والدولة المتوكلية والرسولية والطاهرية والصليحية والكثيرية والعبدلية والدولة القعيطية وغيرها . في الوقت الذي تواجدت فيه سلطنات وأمارات ومشيخات أخرى , وكذا إقدام كُلاً من الخلافة العثمانية والاستعمار البريطاني على احتلال أجزاء من المنطقة خلال فترات مختلفة ومتفاوتة من الزمان .
في عام 62م أطيح بالنظام الأمامي وتم إستبدالة بنظام آخر سُـمّي ( الجمهورية العربية اليمنية ) وهو النظام القائم اليوم على معظم أجزاء شمال وشمال غرب المنطقة , وفي عام 67م كان استقلال الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية من المنطقة , وأقيمت عليها دولة ونظام سُـمّي ( جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ) بعد توحيّد كياناتها المتجزئة , وفي عام90م توحّد النظامين الذكورين أعلاه في نظام واحد يُسمّى ( الجمهورية اليمنية ) . لكن سرعان ما دبٌت الخلافات
3
بين حكّامها , شركاء الوحدة / حكّام النظامين الشموليين سابقاً . فقامت الحرب بين الفريقين صيف عام94م واحتل حكام نظام المناطق الشمالية والشمالية الغربية المعروفة ب( الجمهورية العربية اليمنية ) كل المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية , المعروفة ب( جمهوره اليمن الديمقراطية الشعبية ) .
فالتاريخ يحكي انه قد ساد تجمعات وكيانات جنوب المنطقة في المراحل السابقة , واقعاً اجتماعياً وثقافياً يمكن وصفة بالمتميز على مستوى جزيرة العرب , حيث ساهم في محاربة الجهل والأمية وإنشاء المدارس , وظهرت منذ ذلك الوقت رموزاً ثقافية وعلمية وفي غيرها من المجالات . وقامت حركة سياسية وأدبية واسعة , نشرت قيم المساواة والعدالة والأنصاف وإطلاق حرية الفكر والصحافة وحق التعبير . وفي الوقت نفسه وجدت كيانات تحكمها أنظمة مؤسساتية على أجزاء كبيرة من مناطق الجنوب , مثل حضرموت ولحج وغيرها , ليس فيها مجالاً لعبث الفردية أو العصبية المزاجية , بل تقيداً كاملاً بما شـرّع الحق واحتراماً للنظام والقانون . كما وجِدّت على أجزاءها الأخرى كيانات لتحالفات واتحادات قبلية تاريخية قديمة , حافظت على وجودها منذُ القِدّم وعلى استقرارها وأمنها وأمانها وتوحّد أبناءها وتماسك نسيجها الاجتماعي القائم على التكافل والتضامن والتعاون , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة الضعيف وأنصاف المظلوم بالحق . وتمسكت بالقيم الدينية والإنسانية والأخلاقية الحميدة في كل المراحل , وباحترام وصون الأعراف والنواميس والعادات النبيلة في معاملاتها وسلوكها وفي علاقاتها مع الآخرين .
بينما كان يعم ومازال تجمعات مناطق الشمال واقع اجتماعي/ قبلي وسياسي مختلف ومغاير . . واقع بدائي مشدود شداً إلى ماض عفا علية الزمن , يتصف بالتخلف والخنوع , حيث لا وجود حقيقي لمضمون أو لأي أساس من مقو|مات مؤسسات الدولة الدستورية القائمة بمسئولياتها وواجباتها , أو أجهزتها الملتزمة بالنظام والقانون التي تؤدي خدماتها وواجباتها كما هو متعارف علية في بلاد الدنيا , سوى الاسم والشكل فقط . وهذا أمـر غير طبيعي لا يقبله أي شعب يسعى إلى التطور والتقدم وبناء الدولة الحديثة .
إن تمسك المجتمعات والشعوب بنمط معيّن من أنماط الحياة , ترجع أسبابة إلى طبيعة الموروث الحضاري والتراث الثقافي / الاجتماعي المتراكم عبر القرون , والمترسب في عقول أفراده وضمائرهم ووجدانهم . . والتعوّد علية من خلال ممارسته اليومية في العلاقات والمعاملات والسلوك حتى صار تقليد وعرف سائد في حياه الناس , حيث تكتسب منها معايير القيم الأخلاقية ونمط الحياة المعيشية والاجتماعية . وهو ما نلحظه في طبائع وعادات وتقاليد وأعراف الأفراد والمجتمعات والشعوب هنا وهناك . فالموروث في مناطق الشمال تحكمه الفوضى والتخلف والعبث بما شـرّع الحق . . والتحايل على النظام والقانون واعتبار ذلك الفعل نوع من أنواع الحذق والدهاء , وميزه من ميز الحكمة اليمانية ذائعة الصيت . . وعلى التفاخر بالتجاوزات الفردية والجماعية والقبلية . . وممارسة صور الحكم المتخلف على أشكالها .
فالموروث الحضاري / الثقافي لتراث تجمعات وكيانات مناطق الشمال , يختلف عن غيره في أجزاء أخرى من المنطقة , لتمايز وتباين خصائصه الحضارية / الثقافية المكتسبة عبر المراحل , التي أعطته هويته التاريخية والوطنية والاجتماعية والثقافية , المغايرة للخصائص المكتسبة عند تجمعات مناطق الجنوب والتي أعطته أيضا هويته التاريخية والوطنية والاجتماعية والثقافية . ويذكر من جملة الأسباب في الاختلاف والتمايز أيضاً ما ينسب إلى تعارض في الأفكار العقدية للتيارات الدينية والمذهبية بما لديها من تراث مذهبي كبير ومتشعب , فيه الغث والسمين .
4
وقد أثبتت الحقائق التاريخية أن الجهة الجغرافية المسماة ب( اليمن ) , لم تكن تشكل في يوماً من الأيام وحدة سياسية أو اجتماعية أو قبلية أو اقتصادية واحدة , ويشير المؤرخون إلى حدوث العديد من الغزوات والحملات والمناوشات من حين إلى آخر بين طرفي تجمعات وكيانات وقبائل المنطقة ( الجنوب والشمال ) ومحاولات كل منهما احتلال أجزاء من أراضي الطرف الآخر خلال فترات ومراحل مختلفة من التاريخ . ولكن سرعان ما كانت تنتهي بالمقاومة والصد وعودة الوضع إلى ما كان علية في السابق .
ومن خلال قراءة موضوعية بعين محايدة تعتمد على الوصف الحقيقي والصحيح لأحداث ووقائع وممارسات الأنظمة المتعاقبة على حكم شعب الجنوب , والبحث عن حقيقة خلفياتها ونتائجها لاستخلاص العِبّـر من دروسها الكثيرة والاستفادة منها عند التفكير بمستقبل الشعب ومصير الوطن , عند وضع برامج أو مناهج أو خطط أو تصوّرات لرؤى وأفكار تساعد على بناء مجتمع خالي من الأمـراض والعاهات والتلوث , وإقامة دولة تحترم حقوق الإنسان تسودها مؤسسات دستورية تقوم على رعايتها وحمايتها أجهزة تلتزم للنظام والقانون . . من خلال القراءة نجد الآتي :
• إن الجنوب ــ شعباً ووطناً ــ قد وقع ومازال ضحيّة لأهواء وغايات قوى سياسية ( فردية / جماعية ــ جحافل قبائل حزبية ــ عصابات ومليشيات مناطقية ) جعلت منه حقل تجارب لتحقيق مصالح شخصية / عشائرية , حتى صار الجنوب رهينة بيد مجموعة من المغامرين الفاشلين الذين فرضوا علية حالة من عدم الاستقرار الدائم .
• إن أسباب المآسي والنكبات التي حلت على مجتمع مناطق الجنوب منذُ ما قبل عام 67م حتى اليوم , هي من صنع قوى سياسية تنتمي في المواطنة والولاء إلى مناطق الشمال ( الجمهورية العربية اليمنية ) تم إشراكها في قيادة سلطة النظام الحاكم بدولة مناطق الجنوب ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) , ولم يكن ولاءها لهذه الدولة أو لمجتمعها . الأمر الذي أدى إلى اختلال في التوازن الوطني داخل تركيبة قيادة النظام الحاكم في الجنوب , وتعرضها للتقلبات المستمرة والصراعات الحادة بسبب تغيير تحالفات تلك القوى المندسة في إطار الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم , لترجيح الكفة وقت الضرورة حسب ما تقتضيه مصالحها وغاياتها التي لا تخدم الوطن وشعب الجنوب , بل تخدم أهداف من يقف وراءها . . وهي أيضاً من صِنع القوى المتبنية لنظرية عقيمة وفاشلة , مفادها النضال المشترك لتصدير الثورة من مناطق الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) إلى مناطق الشمال ( الجمهورية العربية اليمنية ) والسيطرة على حكم مناطقها , ومن ثم إصلاح المجتمع في تلك المناطق رغماً عنة .
• تلك القوى ( بمسمياتها المختلفة ) نراها اليوم تحت مبرر الدفاع عن الوحدة وحمايتها , تعمل جاهدة مع نظام الاحتلال للقضاء على الحراك السلمي الشعبي الجنوبي وإجهاض نضاله المشروع بوسائل وطرق ملتويّة غير مباشرة , متعاونة مع قوى الجهل والظلام على قهر وظلم أبناء الجنوب , بسلب حقوقهم وممتلكاتهم ونهب خيرات وثروات أرضهم ووطنهم .
• من المؤكد إنه لولا حمق وسذاجة البعض من آباءنا وإخواننا وأبناءنا الجنوبيين القائمين آنذاك على قيادة الدولة والنظام والحزب الحاكم , وسماحهم لتلك القوى المندسة عليهم بالمشاركة حينها
في قيادة الحزب والنظام الحاكم للدولة , لما استطاعوا جرنا إلى مسلسل الصراع الدموي والقضاء على خيرت رجالنا وكوادرنا وشبابنا بالقتال فيما بينهم أو إلى الوقوع في شـرك الاحتلال كما هو حال شعب الجنوب اليوم .
5
ولهذا فإن الاستنتاج من كل ما تقدم في هذه الرؤية يدلنا على الوصول إلى الإجابات على الأسئلة المطروحة في المقدمة . كما يلي :
1. يعني الحراك السلمي الجنوبي ثورة شعبية واسعة وشاملة يشترك فيها مئات الألوف من أبناء شعب الجنوب , وهي ثورة شعب يحمل قضية وطنية ذات أبعاد أخلاقية وإنسانية نبيلة , تسعى إلى التحرر والتخلص من الاحتلال واستعادة الوطن والهوية والتاريخ , للتمكن من بناء مجتمع مدني متحضر يقوم على العدل والمساواة , وتشييد دولة حديثة تحكمها مؤسسات مدنية وتديرها سلطات مستقلة لها أجهزتها الخاضعة لسيادة النظام والقانون , لتبقى راسخة الأركان إلى الأبد .
2. يعتبر خيار شعب الجنوب لأسلوب النضال السلمي الشعبي المقاوم للاحتلال الجاثم على أرضه ووطنه حتى التحرير وتحقيق الاستقلال واستعادة الدولة خياراً استراتيجياً صحيحاً . . هذا الاحتلال الذي لا هم له سوى قمع الشعب ونهب ثرواته وإفساد الضمائر والقيم الأخلاقية والإنسانية في المجتمع , وتدمير مقوّمات الوطن الاقتصادية والسياسية والثقافية والتراثية والتعليمية والبيئية .الخ . . وهو خياراً صائباً أظهر قوة نبض الحياة في المجتمع , وأثبت للعالم أنه قادراً على اشتقاق أفق مستقبلة وأداره شئون حياته , من خلال قدرته على تجديد ذاته وتحديد الأدوات والمناهج التي يفرضها التجديد المطلوب لتحقيق الأهداف حسب مقتضيات المرحلة وظروفها ومتطلباتها .
3. على الرغم من المآسي والنكبات التي تعرض لها شعب مناطق الجنوب خلال المراحل السابقة إلاّ أنه اختار مسلكاً نضالياً حضارياً ومسئولاً , بالاعتماد على القدرات الذاتية المستمدة من خبراته وكفاءات شبابه , فعمد أولاً على لملمة جراح الماضي , واتخذ من مبدأ التصالح والتسامح ولم الشمل مدخلا للتغلب على تحديات المستقبل , مدركاً أن مستقبل الشعوب في عالم اليوم هو للمجتمعات المسئولة النابضة بالحياة , وللفرد المسئول القادر على التغيير والتصالح مع نفسه ومع محيطة الاجتماعي , الرافض للاحتلال وظلمه والجهل وتخلفه , المتسلح بالعقل والإرادة والفعل , المنتمي إلى جماعه تعترف به ويعترف بها بعيداً عن الفرد المغاير ( سليل ارث الجهل والتخلف ) الذي يستعمل إمكانات شعبة لكي يبددها على اهتمامات ومصالح خاصة به..