اليمن.. بين مثلث أضلاع الأزمة والبحث عن المخارج!
بقلم: محمد صوان
في تصريح لافت قالت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية جانيت ساندرسون يوم 2582010 ليس لدى الإدارة الأمريكية رغبة في إرسال قوات أمريكية إلى اليمن، ويعتمد تعاون الإدارة الأمريكية مع الحكومة اليمنية لمحاربة الإرهاب، على الدعم من الخارج والاستثمار في التنمية من الداخل، ويبقى دور دول الخليج هو الأساس في اليمن!
وهناك من يعتقد أن تنظيم القاعدة السلفي سوف يجر أقدام الولايات المتحدة إلى اليمن، على غرار ما حدث في أفغانستان عام ،2001 خصوصاً مع التدهور المتواتر أمنياً في اليمن، وتصاعد نشاط القاعدة، وكذلك الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمنيون. هذا إضافة إلى مطالبة أبناء الجنوب بحقوقهم الوطنية التي يرون أن وحدة شطري اليمن قد سلبتها منهم.. وكذلك دون أن ننسى العمليات العسكرية شبه اليومية في محافظة صعدة الشمالية، التي تستهدف مؤسسات الحكومة وقنص رجال الأمن ورجال القبائل التي تقف إلى جانب نظام علي عبدالله صالح في صراعه مع الحوثيين في الشمال والحراك الجنوبي في الجنوب.
ومن الخطأ أن يقتصر التعاون الخليجي والعربي مع اليمن على الإغداق المالي فحسب، في مواجهة مثلث البلاء والاقتتال على عدة جبهات القاعدة، الحراك الجنوبي، حوثيي الشمال، لأن ذلك سيكون دعماً آنياً ينتهي بانتهاء مسبباته أو دوافعه! وبدلاً من ذلك فإنه يتعين إعادة تأهيل البنية التحتية، وبناء القاعدة الاقتصادية الصلبة، ومكافحة حالة الفقر والبطالة والمرض والجهل، والإفساح في المجال لدخول اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي عضواً كامل الأهلية.
إن اليمن من أفقر البلدان العربية وربما هو على رأس الدول الفقيرة في العالم الثالث، وصورته اليوم واضحة المعالم على نحو جلي، كما هو حال مشاكله الأمنية مع الثالوث الحوثيين، القاعدة، الحراك الجنوبي، إذ كل منهم يتطلع نحو حصته من الكعكة، رغم اختلاف وتباين الأجندات والارتباطات الإقليمية والدولية.
معالم الصورة آخذة بالتبلور والوضوح أكثر فأكثر، عقب المواجهات المتتالية مع تنظيم القاعدة في وادي عبيدة، وعقب رفض أحزاب المعارضة المتشددة الاستجابة لدعوة الرئيس صالح للجلوس حول طاولة الحوار لحل مشاكل اليمن شمالاً وجنوباً، وأيضاً عقب شروع بعض الجهات والأطراف الإقليمية والدولية بالبحث عن أسماء جديدة لخلافة علي عبدالله صالح في الرئاسة التي ستنتهي ولايتها أواخر عام 2012.
فمن أي الأزمات والمعضلات نبدأ؟ فجميعها مهم، وإن كان ما يهم دول الجوار العربية والعالم هو تسلل تنظيم القاعدة السلفي وتمركزه في مأرب اليمنية، وبالتالي تصدر أخباره صحف العالم منذ أيار ،2010 بعد تفجير أنبوب النفط الأساسي الذي ينقل النفط من المنبع إلى المصب على البحر الأحمر، ليصبح جاهزاً للتصدير.
سيطرة القاعدة ليلاً..
والسلطة نهاراً
رغم إعلان الحكومة اليمنية في حزيران 2010 عن اتفاقها مع زعماء القبائل في محافظة مأرب، ودعوتها لهم بعدم مساعدة أعضاء تنظيم القاعدة وإيوائهم، يبدو أن المواجهات ابتداء من ذلك التاريخ، بين الحكومة اليمنية وتنظيم القاعدة في شرق البلاد، قد دخلت مرحلة جديدة بعد تحدي التنظيم وتحريضه الصريح لرجال القبائل ضدها، في الوقت الذي تقول فيه الحكومة اليمنية إنها حققت نتائج ميدانية في عمليات الملاحقة التي تقوم بها في وادي عبيدة بمحافظة مأرب ضد عناصر التنظيم.
كما أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بياناً في منتصف حزيران ،2010 ونشر على شبكة المعلومات الإنترنت وتناولته عموم وسائل الإعلام، دعا فيه قبائل وادي عبيدة إلى عدم السكوت أو التغطية على العمليات العسكرية الأخيرة التي قامت بها الحكومة في الوادي، أثناء ملاحقتها لعناصر القاعدة. كما حرض البيان رجال القبائل عبر إثارة غرائزهم وحميتهم البدوية إزاء مقتل النساء والأطفال وهدم منازل المواطنين الأبرياء في تلك المنطقة.
ونفت القاعدة تورطها في مقتل القائد العسكري العقيد محمد صالح الشايف، رئيس أركان اللواء ،315 الذي اغتاله واحد من مرافقيه قرب المصفاة النفطية بمأرب، واعتبرت ما نسب إلى المجاهدين زوراً وتمويهاً.. ورأت القاعدة أن وراء اغتيال العقيد الشايف زرع الفتنة بين قبائل المنطقة، وبالتالي التصعيد من أجل السيطرة على وادي عبيدة الذي يعتقد أن معظم قيادات القاعدة تتخذ منه ملاذاً آمناً، وأنها تحظى بدعم وحماية بعض القبائل. واللافت في الأمر، أن منطقة وادي عبيدة في محافظة مأرب النفطية الهامة تشهد عمليات عسكرية متواصلة منذ ما يقارب الشهرين، وذلك بهدف اعتقال مطلوبين، جلهم من قيادات القاعدة. غير أن الحكومة اليمنية لم تعلن رسمياً ما إذا كانت تلاحق أسماء بعينها في التنظيم، من أمثال ناصر الوحشي وغيره، واكتفت بإعلان ملاحقتها لحسين العقيلي، الرأس المدبر لعملية اغتيال العقيد الشايف وغيره من المسؤولين الأمنيين والحكوميين في محافظة مأرب، والذين وصل عددهم حتى منتصف حزيران 2010 إلى 37 رجل دولة، وأن القائمة طويلة خلال الفترة المقبلة.
لقد بدأت الحرب ضد تنظيم القاعدة على المستوى اليمني فعلياً، ولا أحد يعرف كيف ستنتهي، وما هي نتائجها؟ وإلى أين تتجه رياحها شمالاً أو جنوباً؟ ولإحداث المزيد من الإرباك للحكومة، ومحاولة إسقاط النظام في صنعاء، بحيث يكون التوجه بالتوافق والتخطيط المشترك مع أركان الحوثيين في الشمال، وأركان الحراك الجنوبي الذي يبدو أنه حالياً مستعد للتعامل مع الشيطان من أجل التخلص من نظام صنعاء، وتحقيق مطلب تقرير المصير والانفصال عن الشمال!
وتقول مصادر يمنية مطلعة من التجمع الديمقراطي اليمني تاج في الخارج، ومن خلال قيادته الممثلة بالسيد علي سالم البيض، الذي كان نائب الرئيس علي عبدالله صالح، قبل الاقتتال الداخلي عام ،1994 والذي استطاعت حكومة الوحدة في صنعاء بوساطته تثبيت إلحاق الجنوب بالشمال،
تقول هذه المصادر إن علي سالم البيض قد أجرى اتصالات مع قيادات القاعدة، واتفق معها على أن يكون تحركهما مشتركاً، وكل من موقعه باتجاه التصعيد.إلا أن بعض المصادر الأخرى لم تؤكد النبأ، خاصة أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، لا يحبذ التنسيق مع أحد، وتحديداً الحراك الجنوبي في الداخل، والتجمع الديمقراطي- تاج في الخارج، لأنهم ذوو اتجاهات علمانية واشتراكية، بل إنهم وفي حال حدث الانفصال، يمكن أن يعيدوا بناء دولتهم العلمانية والاشتراكية، وبذلك يقع عليهم الحد والتكفير وهدر الدم، باعتبارهم ملحدين وأعداء للدين!
لقد أثبتت الوقائع، أن التنسيق بين الحوثيين والحراك الجنوبي قائم على قدم وساق، وأن هناك كميات من السلاح أرسلت من قيادة الحراك في الجنوب إلى الحوثيين في الشمال، ووقع بعضها في قبضة الحكومة اليمنية، وبعضها وصل سالماً. إلا أنه ربما قد تكون هناك همزة وصل بين بعض قيادات الحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة عبر رجالات القبائل الجنوبيين الذين يفضلون انفصال الجنوب عن الشمال، خدمة لمصالحهم الخاصة وأبرزها
1- شل حكومة صنعاء والسيطرة عليها، وبالتالي جعل دولة الجنوب في حال وقع الانفصال دولة ضعيفة أيضاً، ويتم التحكم بمواردها المالية عبر إمساك القاعدة بمصادر النفط في محافظة مأرب، فيقع الاقتتال وتتمكن القاعدة في جزبرة العرب من السيطرة على السلطة في الجنوب، وإقصاء العلمانيين والاشتراكيين مبكراً، قبل أن يعززوا مواقعهم كما كانوا في السابق، ويصبح هذا الاحتمال مستحيلاً في حال دعمت إيران قيادة الحراك الجنوبي ومكنتها من الإمساك بالسلطة دون منازع! فهل وعد علي سالم البيض إيران بالتخلي عن قناعاته وانحيازاته العلمانية والاشتراكية، وبالتالي البحث عن توليفة فكرية وعقائدية جديدة؟
2- عدم استعداد أحزاب المعارضة للجلوس حول طاولة الحوار مع الحكومة، لا في الجلسة التي كانت مقررة في أوائل حزيران ،2010 ولا في غيرها، مع أن الرئيس علي عبدالله صالح يقود حملة لا مثيل لها لخطب ود معارضيه، لكن بعض قيادات المعارضة يشككون في الحصول على تنازلات ملموسة على صعيد الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
3- معركة خلافة الرئيس علي عبدالله صالح، التي تطل دائماً برأسها، حتى قبل موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجري أواخر عام 2012. هذه المعركة فتحت باكراً، وعوضاً عن الحديث عن ابن الرئيس صالح لخلافته، يطرح الآن اسم الشيح حميد الأحمر، ابن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ قبائل حاشد، ورئيس مجلس الشورى سابقاً، الذي تتزايد شهرته وينظر إليه على أنه خليفة محتمل للرئاسة.. إلا أنه غير متحمس كثيراً لمثل هذا المنصب. وقد صرح في حزيران ،2010 إلى مراسل وكالة رويترز أنه لا يسعى للفوز بالمنصب، ويعتقد أن رئيس البلاد القادم ينبغي أن يكون من الجنوب، وأضاف رئاسة الجمهورية عبء كبير، لكن إذا اضطررت أن أحمله فسأحمله، لكنه ليس الهدف الذي أسعى إليه.
ويعتقد زعيم مجلس الحوار الوطني حميد الأحمر الذي ينتمي إلى الشمال، شأنه شأن الرئيس علي عبدالله صالح، أن انتخاب جنوبي لخلافة الرئيس صالح، ربما يسهم في تهدئة مشاعر ودعوات الانفصال المتزايدة في الجنوب.
على كل حال يعيش اليمن في ظل أوضاع تراجيدية مأسوية بكل المقاييس، ويمكن أن تتلاحق التطورات والمستجدات بين يوم وآخر، بحيث يصبح لا طائل ولا طاقة لمحلل سياسي بفك تشابكاتها ورموزها ومكوناتها، إلا إذا كان ملماً ومطلعاً وعليماً بالنسيج الوطني والاجتماعي والقبلي لليمن، وبمكامن صناعة المواقف والقرارات ومصدرها!
محمد صوان
نقلا عن صحيفة النور السورية
http://www.an-nour.com/index.php?option=com_content&task=view&id=11826&Itemid=1
الأربعاء 1 سبتمبر - 2:49 من طرف وضاح الجنوب