اذا اردت كسب تعاطف بعض الجيران, ورفع منسوب الدعم الامني, من العم سام, فليس اسهل من ان تفتعل عملية دموية في منطقة من مناطق الجنوب, والبسها الزي الأرهابي, لا يهم ان كان القتلى من اصحاب البزة العسكرية, المهم ان يكون الموقع المستهدف امام مقر للأمن, ولا يهم ان كان سياسي او عام فالأمن الوطني جاهز, كما لا يهم ان يكون القتلى من المدنيين, المهم العدد, فكلما زاد عدد القتلى الذين ستحصدهم العملية كلما كان المردود اعلى واسرع .
واذا ضقت ذرعآ بأي منطقة من مناطق الجنوب, التي ترفض ان تكون في محل نهب وبصق سلطوي متواصل, فما عليك الأ زرع شتلة ارهابية هناك من تلك الشتلات المستوردة من افغانستان, شريطة التأكد من ختم القاعدة في وثائق المنشأ بما يؤمن عملية التكاثر المطلوبة لبشاعة الموقف في موسم الحصاد.
بعد ان يصرخ المخرج, سكوووت ويعد: 3, 2, 1 (أكشن) .. فرقعات قذائف, انفجارات مدوية, دماء تلطخ الجدران, قتل, جثث متفحمة تحت الحاويات, اشلاء متناثرة فوق الحاويات, نعوش, دموع, مآتم, احزان .. وفي الخضم ترتفع الأصوات في تلاوة البيان المعد سلفآ او التصريح للمصدر(..) للربط الفوري بين سلمية الحراك, وارهاب القاعدة, في محاولة مكشوفة لخلط الأوراق تفترض هطل وعبط المتلقي, لتمرير المسرحية الدموية .. معادلة الجمع بين السلمي والأرهابي يستحيل اثباتها مختبرات السلطة.
فالحراكيون يجولون شوارعهم في وضح النهار ويعبرون عن ارائهم بالكلمة الموضوعية والموقف المستند الى الحق في التاريخ وفي الجغرافيا .. لم يذهبوا الى الشارع الأخر, للأعتداء على اهله, اوالتنكيل بساكنية حتى يلجأون الى التخفي في مطالبتهم بحقوقهم المشروعة, وليسوا بحاجة الى التواري خلف عناوين من قبيل الأرهاب او العنف, الأنفصال, الردة, العمالة, او الأرتزاق او ما شابه من الأفترائات التي يعج بها قاموس السلطة ..
فقوة الحق في الحرية والأستقلال, اكثر فاعلية, وابلغ من كل هذه العناوين المأزومة, بمشروع وحدوي فاشل, فالذين يسعون الى الحياة الكريمة هم اخر من يكون اداة قتل فردي او جماعي ولا يمكن له التفكير في ان يكون وسيلة تدمير لمصادر الحياة , فالسعي الى امتلاك الحريه, هي احدى تجليات التشبت بالحياة, وليس التضحية بها على اي نحو من الصور التي نعيشها اليوم.
هؤلاء الذين يدركون قيمة الحياة باعتبارها هبة الخالق, يدركون اضرار مغامرات الموت, وتحديدآ عندما تكون على ارضهم وبين اهلهم, كما يدركون كل الأدراك, بأن الدولة التي يسعون الى استعادتها لا يمكن ان تؤسس على برك من الدماء ولا الظفر من خلال الأرهاب المحمول على دراجة نارية او المزروع في هذه المدينة او تلك, كما ان الجنوبيين لا يسعون الى تعميد مشروعهم في الدولة بالدم, بل بالحق المشروع, وبالقانون وحده, سيتم لهم ذلك, فالحق يستوجب, النظال السلمي وليس القتل المبيت.
فالذي يتصدى للرصاص والقذائف بصدور عارية وهو رافعآ علم الجنوب, يدرك تمام الأدراك: ان اللعب بالنار ما هو الا شكل من اشكال الأنتحار السياسي والأجتماعي, فهؤلاء المواطنيين الذين تقدمونهم قرابين لمشروع فاشل, في اطار خطة تسويق جهنمية, لم يكونوا يتصورون يومآ ما ان مصيرهم سيكون القتل من الخلف وبهذه الطرق الشنيعة.. فالدماء يفترض ان تكون منزهة عن الموقف السياسي من الوحدة او من فك الأرتباط بأعتبارهما نقيضان يحتملان الأخذ والعطاء وليس استدعاء الموت على هذه الشاكلة التي تحاولون تعميمها .. فالموت لن يؤسس لحياة جماعية او فردية لأنه ببساطة المعادل الطبيعي للعدمية وللآ موضوع.
فأغسلوا اياديكم من الدماء ايها القابضون على الزناد, عودوا الى كلمة سواء, فما حدث ويحدث اليوم في الحبيلين, جعار, لودر, الضالع, زنجبار, العسكرية, المعجلة, المكلا وما يحدث في عاصمة الجنوب عدن, وغيرها من قرى ومدن الجنوب من سفك للدماء لم يكرس الأ لمشروع دموي استمرء الدم منذ عمد ذاته بدماء النساء والأطفال صيف 1994م. فالأرهاب والدم لا يمكن ان يكونا وسيلة خلاقة لبيع سلعة عفنت على ارصفة الشارع الجنوبي.. الم تدركون ايها السادة انكم بأعمالكم الدموية هذه لم تعودو تبيعون الجنوبيين وحدة بل تبيعونهم دمآ وموت .. فالأوان لم يفت عن العودة عن مسرحية عزرائيل هذه.