ملتقى جحاف - بقلم د. حسين مثنى العاقل
في منطقة مشألة بمديرية يهر من أرض يافع ابن قاصد موطن الرجال الأوفياء، ومهد حضارة التاريخ المتوج بالمجد والشموخ وعزة النفس والكرامة .. نعم في مشألة المحصنة بجبالها المنيعة والمكرمة بنقاوة الروح وسجية القيم الأخلاقية المميزة بصفاتها الحميدة، والمفعمة بفطرة الصدق والوضوح في انتقاد العيوب ورفض الذل والاستبداد .. كانت بعض قيادات الحراك السلمي الجنوبي وهي في حضن الجبال الشامخة بوادي (ضول) تطوف بنظرات الإعجاب والاندهاش إلى مناظر الطبيعة الوعرة وشديدة الانحدار والتي استطاع الإنسان اليافعي شديد المراس بفضل الله، أن ينتزع منها مقومات حياته المعيشية ويتخذ من شماريخ سلاسلها الجبلية مقرات السكن والإقامة الدائمة، يمنحها الجهد والمثابرة وحب الانتماء.. فتعطيه ما يستحقه من درر إنتاجها وعواطف حنانها من (حليب البقاء وزاد العطاء). وبينما كانت أشعة ضياء الشمس الدافئة تقبل وجه الأرض وتفرش نورها على صدور المنحدرات وتكشف عن مفاتن روعة الجمال لذلك الإبداع الإنساني.. فإذا بجموع الجماهير المتقاطرة بارتالها المتدفقة منذ الصباح الباكر من يوم الخميس الموافق 16- 9- 2010م، والقادمة من جميع المناطق والمديريات اليافعية ومن مختلف مناطق الجنوب الغالي، لتحتشد في ساحة المهرجان وهي تردد بأصواتها الحماسية الشعارات المعبرة عن الإصرار القاطع على (فك الارتباط واستعادة دولة الجنوب) وعندما ارتصت الجماهير أمام منصة الاحتفال وهي ترفع الشعارات وأعلام دولة الجنوب فوق هامات رؤوسها، فإذا بالشاب (عمار) يفاجئ الحاضرين وفي مقدمتهم بعض قيادات الحراك السلمي يفض الأجساد وهو في حالة من الحماس المتحفز بعنفوان الشجاعة وبروحه التواقة للتضحية والفداء وهو يرفع النسخة (الأصلية) لعلم دولة الجنوب المغدور بها، والذي أنتزع من سارية دار الرئاسة بمدينة التواهي /عدن عاصمة الجنوب من قبل زعيم المكر والخداع وفارس النهب ومغانم الأطماع !!؟؟... حيث تقدم الشاب الخلوق (عمار الحنذلي المفلحي) وهو عارض العلم على صدره وملتحف به ليغطي جسده، ومن خلفه يتزاحم الشباب بهتافاتهم الصاخبة نحو منصة المهرجان فوقف كالأسد الضرغام أمام المناضلين الأبطال (السفير قاسم عسكر، والعميد علي السعدي، والمحامي يحيى غالب الشعيبي، والعميد الداعري، والدكتور محسن وهيب، وكاتب المقال ود. صالح يحيى، ومحضار الكلدي وطماح والشاعر بن شجاع وغيرهم)، قائلا بكل فخر واعتزاز هذا أيها الجنوبيين الأحرار علم دولتكم وراية سيادتكم ما زلت� محتفظا بها وفي عهدتي منذ أن انتزع بذلك اليوم المشئوم 22 مايو 1990م، من سارية مقامه الرفيع.. وأنه كما تشاهدون قد أفاق من ركام اليأس والأحزان، وأزيلت من على وجه لطخات الغبن ورجس الشيطان، هذا هو علم الجنوب يبتسم بفرحة نضالكم ومستبشرا باقترابكم من لحظات الحسم لميعاد انتصاركم.. هذا هو علم الجنوب الذي يشرفني أن أسلمه لقيادة الحراك السلمي لترفعه على سارية دار الرئاسة يوم إعلان استعادة دولتنا الحرة والمستقلة، فيرفرف في سماء عاصمتنا الحبيبة، ويداعب نسمات هواء البحر القادمة من خليج عدن، ومن حوله وتحت مهابة قدسيته تزغرد الصبايا ويرقص الشباب، وتعزف أنشودة السلام الوطني بالحان نشيد دولة الجنوب (بلادي بلادي بلاد الجنوب وجمهورية عاصمتها عدن).
نعم أيها المناضلون أقول لكم ومن خلالكم إلى شعبنا في الجنوب ورموز قياداتنا في بلدان الشتات والنفي القسري وفي جميع بلدان المهجر والاغتراب، بأنني قد عاهدت نفسي وحرصت على توجيه أبنائي وأفراد أسرتي وأصدقائي على أن يصونوا عهد الوفاء لهذا العلم أن حدث لي أي مكروه أو حظيت� بشرف الاستشهاد في نضالنا السلمي، ولكن بحمد الله شاء لي القدر بحضوركم الكريم وأمام هذه الجموع المحتشدة، يطيب لي أن أميط اللثام عن هذا السر الجميل وأظهر الحقيقة التي صنتها وكبت� سرها طوال أكثر من عشرين عاما.. ولكم هي سعادتي ونشوة الفرح تغمرني وأنا أفاجئكم بعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي ارتوت أرض الجنوب من دماء الشهداء في مراحل النضال التحرري من الاستعمار الأجنبي، وتحت هذا العلم نناضل جميعا بعزيمة وإخلاص في سبيل استعادتها وفك الارتباط النهائي والعاجل من نظام الاحتلال الغاشم والمتخلف والمتمثل بسلطة النهب والفساد لجيوش وقبائل الجمهورية العربية اليمنية، التي أثبتت وقائع الحياة بإحداثها الإجرامية وممارساتهم الهمجية.. بأنهم غزاة استغلوا مشاعر أبناء الجنوب الطيبة للوحدة، ليحتلوا الأرض ويعيثوا بها بفسادهم وتصرفاتهم الحاقدة والمارقة، فجاءوا بكل ما تحتويه قواميس اللغة من عبارات ومرادفات البغي والاستكبار..
وبهذه المناسبة السعيدة قال عمار(أعاهدكم على حفظ الأمانة إلى أن يشاء لنا الله أن نحتفل بعيد الأعياد ومهرجان التحرر والاستقلال، بعاصمتنا عدن فيرفع العلم في مكانه الرسمي من قبل رئيسنا الشرعي المناضل علي سالم البيض. وسيبقى في منطقة مشألة إلى أن يزف بمهرجان جماهيري تشارك فيه قيادتنا السياسية والمناضلين الشرفاء من أبناء الجنوب الأحرار).
وفي ختام المقال.. يسرني باسم زملائي الحاضرين ذلك المهرجان ونيابة عن أبناء شعب الجنوب في الداخل والخارج، أن أحييي هذه الروح المخلصة للابن القدير عمار الحنذلي المفحلي والذي يستحق منا جميعا الشكر والثناء، ونتمنى له ولأفراد أسرته بخاصة الصحة والسعادة، ولأبناء منطقة مشألة البطلة التقدير والاحترام، ولشعب الجنوب الحرية والخلاص من براثن الاحتلال، وأنها لثورة سلمية بمشيئة الله حتى النصر المؤزر باستعادة دولة الجنوب.