هذا التوضيح لقواعد الحراك الوطني السلمي الجنوبي و قياداته في الداخل و الخارج ، و هو حول محاولة السلطة واللقاء المشترك تضليل وعي الناس و ايهامهم بان الحوار الوطني الشامل هو الآلية المناسبة لحل القضية الجنوبية، وأهم هذا التضليل ما شاهدناه في برنامج حوارات يمنية على قناة العربية. و حسب اعتقادي بأن القناة كانت تريد معرفة نوايا السلطة من خلال المتحدث الأول ، و نوايا الحراك الجنوبي من خلال المتحدث الثاني ، ونوايا الحوثيين من خلال المتحدث الثالث ، و نوايا المعارضة من خلال المتحدث الرابع باعتبار ان حزب الإصلاح هو الذي يقود المعارضة. و ما يهمنا هنا هو المتحدث الأول والثاني ، لأن المتحدث الثالث كان همه الحوثيين ، و المتحدث الرابع اعتبر الانتخابات غاية وما عداها وسيلة. فإذا ما انطلقنا مما قاله المتحدث الأول والثاني فانه يمكن توضيح التالي :
أولا: يقول المتحدث الأول أن المشكلة الاقتصادية هي جذر الأزمة بما فيها أزمة الحوثيين التي هي في طريقها إلى النهاية الكاملة (يقصد عبر وساطة قطر)، وأن مسألة الحراك الجنوبي مرهونة بالحوار القادم ، و انه متأكد 100% أن المتحاورين سيرفضون مطلب علي سالم البيض بفك الارتباط ......الخ . هكذا قال المتحدث الاول . فماذا يعني ذلك ؟؟؟ . ألم يعني أن الحوار لدفن القضية الجنوبية طالما و مشكلة الحوثيين في طريقها إلى الحل عبر الوساطة القطرية، و طالما و جذر الأزمة اقتصادي وليس سياسي ، و طالما و هو متأكد أن المتحاورين سيرفضون المطالب الجنوبية لأنهم شماليون ؟؟؟ .
ثانيا: يقول المتحدث الثاني ان هناك ثقافتين تتنافسان في الوقت الحاضر ، ثقافة الحوار و السلم و ثقافة العنف ، و ان الحديث عن تجزئة القوى السياسية بين شمالي و جنوبي عمل مرفوض و عمل مأزوم هدفه تقديم رسالة إلى السلطة بان تعالوا تحاوروا معنا نحن ، و ان الحوار على قاعدة شمال و جنوب مرفوض .... الخ . هكذا قال المتحدث الثاني . فماذا يعني ذلك ؟؟؟ . ألم يعن من حيث المضمون انه يصب في خانة المتحدث الأول ، لأنه ابتدع جذراً للازمة من عنده و حدده بثقافة العنف بدلا عن جذرها السياسي المحدد موضوعيا بإسقاط الوحدة بالحرب و تحويلها إلى احتلال استيطاني أسوأ من الاحتلال البريطاني ؟؟؟ . و ألم تكن ثقافة العنف من حيث المبدأ موجودة بدرجات متفاوتة في كل بلدان العالم، و إلاَّ لما وجدت الجريمة والمحاكم و السجون ؟؟؟ . و ألم يكن رفضه لفرز القوى السياسية و رفضه للحوار على قاعدة الشمال و الجنوب رفضا للقضية الجنوبية ، خاصة و انه من غير الممكن موضوعيا و من غير المعقول منطقيا حلها حلاً شرعياً بدون قيادة سياسية جنوبية لها ؟؟؟ . و ألم يكن الإصرار على وحدة القوى السياسية في ظل انقسام الواقع بين شمال و جنوب هو من الثقافة الارادوية التي لا علاقة لها بالعلمية و التي عفا عنها الزمن ؟؟؟ . و أود هنا أن أقول بأنه ليس لدينا مانع من ان يكون هو ذاته الممثل للجنوب اذا ما قام الحوار على قاعدة الشمال و الجنوب ، لأن الأهم هو تمثيل الجنوب و ليس الأهم من يمثله .
ثالثا: انه ليس هناك من حل شرعي للقضية الجنوبية إطلاقاً إلا بالحوار بين طرفيها اللذين هما الشمال و الجنوب . و تبعا لذلك ليس هناك مفر من الحوار على هذه القاعدة وفقا للشرعية الدولية بموجب قراري مجلس الأمن الدولي أثناء الحرب و تعهد صنعاء للمجتمع الدولي بعد الحرب ، أو وفقاً للشرعية الشعبية بموجب استفتاء شعب الجنوب على تقرير مصيره مهما طال الزمن . و لكنني أتمنى ألاَّ يطول هذا الزمن و ان يجلس الرئيس علي عبدالله صالح للحوار مع الرؤساء الجنوبيين الثلاثة لحل القضية، و الذين تُرفع صورهم في عموم فعاليات الحراك من باب المندب غربا الى سلطنة عمان شرقا . و اقول للذين يقولون أن الحراك بلا قيادة ان يقولوا لنا ما معنى ذلك ؟؟؟ ، و عليهم ان يدركوا بان تجزئة القوى السياسية و فرزها إلى شمال و جنوب قد بدأ من يوم 7 يوليو 1994م ، و انه لا يوجد اليوم اي سياسي جنوبي ضد القضية الجنوبية ولا يوجد أي سياسي شمالي معها ، و بالتالي ماذا يعني ذلك ؟؟؟ .
رابعا : إن القضية الجنوبية كما قلنا سابقا هي قضية وطنية تخص شعب الجنوب بكامل فئاته الاجتماعية من السلاطين الى المساكين و ليست قضية حزبية تخص الأحزاب . و لو كان الرئيس علي سالم البيض و الرئيس علي ناصر محمد و الرئيس حيدر ابو بكر العطاس ما زالوا في الحزب الاشتراكي لما رفعت صورهم في المسيرات و المظاهرات بكل تأكيد ، لأن القضية الجنوبية قضية وطنية ما فوق الحزبية و هي التي حتّمت ظهور الحراك الوطني السلمي الجنوبي خارج الأحزاب .
فلو كان الحراك تابعاً للأحزاب لكانت قد مزقته الأحزاب على عددها بالضرورة . صحيح أن هناك عناصر في الحراك منحدرة من الأحزاب، و لكنها منخرطة في الحراك بصفتها الجنوبية و ليست بصفتها الحزبية . حيث أن الوظيفة السياسية للأحزاب هي ما بعد الوطنية و ليست ما قبلها ، و هي وظيفة طبقيه و ليست وظيفة وطنية بالضرورة أيضاً ، و على من يسعى من الجنوبيين إلى جر الحراك إلى الأحزاب أن يدرك بأنه يجر الحراك إلى التمزيق والضياع، وأنه بذلك يشارك في دفن القضية الجنوبية دون إدراك.
خامساً: إن قيادات الأحزاب القائمة حاليا لا تقرأ الواقع بشكل صحيح ، و لو كانت تقرأ الواقع بشكل صحيح لما وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه . فعلى سبيل المثال بعد حرب 1994م مباشرة عندما كان الحزب الاشتراكي مازال قائدا للجنوب رفضت قيادته و معها قيادات الأحزاب الأخرى في السلطة والمعارضة أن يبقى الحزب ممثلا للجنوب . و هذا ما أدخله في علاقة نفي النفي الموضوعية مع القضية الجنوبية . والآن و بعد أن أصبح وجود الحزب نافيا للقضية الجنوبية، و وجودها نافيا له ، سارعت كل هذه القيادات للعمل على إعادة الحزب من جديد كممثل للجنوب خلافا للواقع الموضوعي الملموس الذي أصبح يرفض الحزب في الجنوب أكثر من غيره . و في تقديري انه يستحيل بعد الآن أن ينسجم الحزب الاشتراكي مع القضية الجنوبية و يخرج من علاقة نفي النفي معها إلاَّ بعودته إلى حزبين كما كان قبل إعلان الوحدة . و إذا ما حصل ذلك فانه من البديهي بأن يكون حزب الوحدة الشعبية هو الأقرب إلى الحزب الاشتراكي و ستظل العلاقة بينهما علاقة عضويه و رفاقية ومنسجمة أفضل من الآن .
سادسا: ان كل مشكلات اليمن هي مشكلات ذاتية يتوقف وجودها على وجود حامليها باستثناء القضية الجنوبية التي هي قضية موضوعية يتوقف وجودها على حلها و ليس على وجود حامليها . فعلى سبيل المثال لو غاب الحوثيون غابت مشكلتهم ، و لو غاب تنظيم القاعدة في اليمن غابت مشكلته ، و لو غاب اللقاء المشترك غابت قضيته ، لأنها كلها مشكلات ذاتيه أوجدها حاملوها و ليست هي التي أوجدت حامليها و مرتبط وجودها بوجود حامليها . أما القضية الجنوبية فهي قضية موضوعية وُجدت قبل وجود حامليها و هي التي أوجدت حامليها و مرتبط وجودها بحلها و ليس بوجود حامليها . فلو غاب الحراك الوطني السلمي الجنوبي و غاب كل السياسيين الجنوبيين ، فان القضية الجنوبية ستظل قائمه بقوة الواقع . و لو كانت القضية الجنوبية قضية ذاتية تتعلق بالافراد لكانت قد حُلت عبر المليارات التي صرفها النظام على الجنوبيين في شراء الذمم و في السيارات و الهبات و غيرها ، ناهيك عما صرفه النظام للموظفين معه في السلطة.
سابعا : إننا هنا نود القول بأننا لسنا ضد الوحدة من حيث المبدأ ، وإنما نحن ضد الاحتلال الذي جاءت به الحرب. و نحن ندعو السلطة للحوار حول الوضع القائم ما إذا كان هو وحدة أم انه احتلال ؟؟؟ . و نطلب ممن يخالفنا المسلمات التالية أن يدحضها أو يأتي بغيرها ، و أولاها : أن أية وحدة سياسية بين دولتين هي وحدة السيادة الوطنية وليست حكم طرف على الطرف الآخر و نهب أرضه و ثروته و حرمانه منها و طمس تاريخه السياسي و هويته لصالح غيره .
و ثانيها : ان ما هو قائم حاليا في الجنوب ليس وحدة و إنما هو احتلال ، لأنه قائم على نتائج الحرب و ليس على اتفاقيات الوحدة و دستورها . و ثالثها : بأنها لا توجد شرعية لأي حل مهما كان صائبا الا باستفتاء شعب الجنوب على هذا الحل ، سواءً كان هذا الحل هو فك الارتباط او الجنوب العربي او الفيدرالية أو الحكم المحلي او غيره ، لأنه لا يوجد و لن يوجد أي حل مشروع إلا برضى الشعب صاحب الشأن . و لذلك فانه لا يجوز -من حيث المبدأ- القبول بأي حل ما لم يكن مربوطا باستفتاء شعب الجنوب على هذا الحل ، و لا يجوز -من حيث المبدأ أيضاً- رفض أي حل إذا ما رُبط باستفتاء شعب الجنوب عليه حتى و لو كان الوضع القائم ذاته . و رابعها : ان الجنوب ملك لأهله و ليس ملكا لغيرهم ، و انه ليس هناك من حل إلا بذلك . و خامسها : ان الجنوبيين ليسوا ملزمين بدستور الحرب و قوانينه ، و ليسوا ملزمين بما ترتب على الحرب بما في ذلك العملة النقدية الشمالية التي حلت محل عملة الوحدة التي هي الدرهم المتفق عليها في اتفاقية إعلان الوحدة. و بالتالي أين هي الوحدة لمن يدعونها ؟؟؟ .