للكاتب صلاح السقلدي
كلما بالأمر أن (الخُبرة) أضحوا بالآونة الأخيرة يعدون الأيام والساعات خوفا وهلعا وهي تمر بهم سراعاً في واديهم وارف الخضرة ، ويشعرون بهرولتها وكأنها تقصف أيام حكمهم في هزيعه الأخير. إنها فترة زمن حساسة يطلق عليها الأمريكان مصطلح( البطة العرجاء) تلك الفترة الزمنية القصيرة المتبقية من حكم رئيسهم، المحددة بأربع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.! مع الفرق إن البطة الأمريكية لا يمكن استنساخها إلا مرة واحدة فقط، عكس بطة( الخُبرة) التي لم يتوقف استنساخها منذ عقود.
يوم السبت 11ديسمبر تسلح برلمان حزب المؤتمر الحاكم بصنعاء بنموذج الانتخابات ( المضحكة) التي أقدم عليها الحزب الحاكم بمصر وراح يقتفي خطاها كنموذج فــ( الشيء منجذبٌ لمثله) وشرع بالمصادقة على قانون الانتخابات،غير مكترث لاعتراض أحزاب المشترك على هذه الخطوة الانفرادية. مع علم هذه السلطة إن الفرق كبير ( يطول الحديث عنها في هذه العجالة) بين ظروف حاكم القاهرة وظروف حاكم صنعا، المثقل بالبلاوي والماسي والأوزار من العيارات الثقيلة.
يقيني إن هذه الخطوة التي أقدمت عليها السلطة بصنعاء لا تعدو أن تكون أكثر من أسلوب ضغط سمج، دأبت على إتباعه كلما ضاقت حلقات الأزمة حول عنق الحكم,ولنا تجارب كثيرة في هذا الشأن. فالسلطة الحاكمة ان كانت تعرف ان بوسعها ان تمضي قدما بتمرير الانتخابات لما ترددت عن ذلك ولما دخلت في جولات حوار مضنية مع المعارضة، فهي أي (السلطة) تعرف أكثر حتى من المعارضة نفسها ان الإقدام على مثل هكذا انتخابات وفي مثل هذه الظروف المعقدة وبالجنوب تحديدا لن يجلب لها الفشل فقط بل سيجعلها تحتسي كأس الخزي وسيسقط عنها ما تبقى من ورق توت تداري سوءاتها.
فان افترضنا ان السلطات استطاعت ان تمرر انتخابات بطريقة بلطجية (الجيزة والقاهرة والإسكندرية) في محافظات الشمال مستغلية غض الطرف الأمريكي المتبرم من فوز التيارات الإسلامية المناوئة لسياسته الاستعمارية ، فلن تستطيع هذه السلطات ان تمرر هذه الانتخابات بالجنوب المستعرة ثورته الشعبية بضراوة ، والذي دون شك ستتحول هذه الانتخابات بالضرورة إلى استفتاء شعبي جنوبي على وحدة القوة التي فرضت عنوة عليه بحرب شاملة عام 94م وهذا ما ضلت هذه السلطات حتى الآن تتحاشاه .!لا شك ان أجندة كثيرة في رأس السلطة تقض مضجعها ليل نهار أهمها والتي اشرنا إليه في بداية حديثنا وهي فترة الرئاسة المنتهية عند اقل من ثلاثة أعوام،لهذا فالحاجة ملحة الى تصفير عداد تاكسي الحكم مع مساعي سلطوية لتغيير شكل الحكم إلى رئاسي مطلق خشية من مفاجأة أن تولد الانتخابات برلمان لا يستجيب لضغطت الروموت، وبالتالي سوف يسبب الصداع للرأس الذي تعود دوما على سماع
حاضر يا فندم، أمرك يا فندم).!
الجنوب، وهو محور كل السجال قد حسم أمره مبكرا حول ما يجري بالساحة اليوم فهو غير عابئ بان تتم أو لا تتم الانتخابات طالما وبقي الوضع يراوح مكانه في دائرة التجاهل لقضية شعبه، والتي هي بالدرجة الأساسية قضية سياسية بامتياز، فهم لن يكون بعد هذه الهبة الشعبية شاهد زور، ومشرع لوضع غير طبيعي يكرس مزيدا من الهيمنة والاستبداد لتكل القوى الجاثمة على أنفاسه منذ ذلك الصيف القائظ في عام 1994م. ما الرفض الشعبي العارم للخطوة التي قامت بها السلطة قبل عامين تقريبا حين شرعت بما أسمته عملية تصحيح جداول الناخبين، وكيف عزف الشارع الجنوبي عن التعاطي مع تلك العملية ، كانت تلك العملية بروفة مصغرة لما ستؤول إليه أي انتخابات قادمة، والشيء الجيد في هذا الأمر إن السلطات بصنعاء فهمت فحوى الرسالة الجنوبية جيدا،وراحت على ضوئها تخوض مع أحزاب المشترك جولات من الحوارات لا تزال تدور رحاها إلى اليوم للخروج من وضع (الحيص بيص) الذي وجدت نفسها واقعة فيها من نتاج ما أسلفت يداها في السنين الخوالي من عبث وبطش ونهب بالجنوب .
إذن فالعمليات الترقيعية لم تعد تجدي نفعا فلم يتعد تنطلي على الجميع تهديد إقرار قوانين لا يتقيد بها ربع مقريها ولم تعد قوة البطش العسكري تأتي بجديد مثلما صدئت وسيلة شراء الذمم وفتح مصارع الخزينة على ضعاف النفوس أو شُكلت لجنة انتخابات من قضاة أو أعضاء تحت الطلب ، وحتى وان أقيمت فعالية كاس العالم في ملعب الظرافي أو في ملعب حقات، أو تم استدعاء (رعيوي القاعدة) ليقوم بالدور المنوط به، فقد شب الناس على أساليب المخاتلة والاحتيال. فبكل بساطة، لقد فرغت جعبة الحاوي ولم تعد (تفجّع) غير صاحبها .!