ملبتقى جحاف
منذ بدأت اكتب صحفيـًا قبل نحو (20 عامـًا) نصحت من قبل أقارب وأصدقاء، ورؤساء تحرير كان أولهم الأخ هشام باشراحيل – عافاه الله – وسياسيين كبار كان آخرهم الأخ د. ياسين سعيد نعمان – منذ أيام – بأن لا أرد على كل من ينشر أكاذيب لتشويه التاريخ، فأغلبهم نكرات وبردودي عليهم أتسبب في شهرتهم!
وعملاً بتلك النصيحة فإنني أتجنب الرد على كثيرٍ ممن يزورون تاريخنا واكتفي بأن اتخذ بين الحين والآخر واحدًا منهم أو اثنين كنموذج لهم لأرد عليه.
ومقالي في صحيفة "الثوري" بعنوان "لا للإرهاب الفكري.. لا لتزوير التاريخ الوطني للجنوب" انتهزه البعض ليزايد مبديًا دفاعه عن ما يسمى بواحدية الثورة اليمنية وليهاجمني وبالاسم وكأنـّه يدعوني للرد! لكنني اتخذت من أحدهم (لواء من يافع) نموذجـًا لهم، وذلك لسببين، أولهما أنّ من نشر له هو أكبر صحيفة حكومية (26 سبتمبر) وأفردت له صفحة كاملة كإحتفاء بمقالته التي لو طالعوا ما جاء تحت عنوانها الرئيسي والعناوين الفرعية فلن يجدوا شيئـًا يثبت الواحدية المزعومة بل إن كل عناوينه كانت في وادٍ وما تحتها في وادٍ آخر (على النحو الذي بينته في ردي عليه بصحيفة "الثوري")، وثانيـًا لأنه أوصل لي بأن الأخ العميد علي حسن الشاطر رئيس التحرير استدعاه وكلفه بالرد!
وبعدما رددت عليه ظهر أمثاله جددًا يؤكدون على الواحدية لكنهم كلهم مثله عجزوا عن تقديم دليل واحد عليها، وقررت أن أعمل بالنصيحة القديمة الجديدة فأتجاهلهم وأن أشير هنا فقط لمن تذاكى مقلدًا اللواء فذكرني بالاسم في عنوان مقالته وهو "لا يا نجيب" التي نشرت مؤخرًا بإحدى الصحف المفرخة والطريف أنـّه حاول إيهام القارئ بموضوعيته فبدأ بالآتي : "لا أخفي إعجابي بكتابات الأستاذ نجيب قحطان الشعبي... حيث يملك نجيب قلمـًا رشيقـًا وشيقـًا وتشدني كتاباته... الخ" وبعدها يجيء حديث الإفك فيكتب "لكنني قطعـًا أختلف كثيرًا مع تلك الرؤى العجيبة التي يقدمها نجيب بخفة واضحة وعن سبق إصرار وتعمد لاعتساف الحقائق أو تشويه التاريخ"!
ثمَّ يأخذ في شتم الحراك الجنوبي ويتهم أعضاءه بأنه تحركهم مصلحة شخصية وهو نفس ما قاله الأخ رئيس الجمهورية عنهم مع أنها تهمة غير معيبة على الإطلاق فمن العادي بل العادي جدًا أن تحرك الناس وكل مسؤولي الدولة المصالح الشخصية, أم أنـّه مطلوب ممن يطرد من وظيفته أو يوقف راتبه أو تهدر كرامته أن يصفق ويفرح لا أن يعترض ويقاوم؟!
ورئيس الجمهورية يعلم بالطبع أن من الطبيعي أن تحرك الناس مصالحهم الشخصية وإلا لماذا مثلاً صرف قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مرتب شهر لكل موظفي الدولة؟ أليس ليصوتوا له؟ أيضاً بعض مرافق الدولة تلجأ إلى إيقاف صرف مرتبات الموظفين حتى يأتوا ببطاقاتهم الانتخابية لإثبات أنـَّهم لم يمتنعوا عن المشاركة في الانتخابات, فتضطرهم مصلحتهم الشخصية للمشاركة في الانتخابات ولو بغير اقتناع.
لذلك فالمشكلة ليست في معارضي السلطة ولكن في السلطة نفسها التي تريد من الناس أن يتخلوا عن مصالحهم الشخصية فيجوعون ويعرون وتمتهن كرامتهم، فيقبلون بذلك بل ويفرحون ويصفقون! والأغرب هو أنـّه عندما يعارض أحد الانتخابات يتهم بأنه تحركه مصلحة شخصية مع أن أول أساس للممارسة الديمقراطية يكمن في مصلحة شخصية هي تحرير لقمة العيش، فالجياع ومن هم وظائفهم ومرتباتهم مرهونة بإرادة السلطة (سلطة الدولة أو الشيخ أو صاحب العزبة) ليسوا مؤهلين للممارسة الديمقراطية ولذا لا يمكن أن تتحرك الجمهورية اليمنية على طريق الديمقراطية الصحيحة طالما السلطة تتحكم في لقمة عيش ملايين الناخبين بل معظم الناخبين، فالملايين هم موظفون لدى الدولة والملايين هم من أتباع الشيوخ!
وأعود لذلك "المتذاكي" فقد كتب أيضـًا : "وكم كنا نتمنى أن لا ينساق نجيب مع هؤلاء (الحراك) أو تغريه أفعالهم المشينة، التي حتمـًا ستلحق بهم العار"!
وأساله : مالهم "هؤلاء"؟ فرغم أنني لم أنساق معهم؛ إلا أن هؤلاء لديهم قضية سياسية وليسوا لصوصـًا للمال العام أو ناهبين لثروات الوطن ولا مزورين لحقائق التاريخ مثل البعض.
وقد وصل ذلك المتذاكي للقول : "وفي هذا السياق فإن حديث نجيب عن واحدية الثورة اليمنية 26سبتمبر و14أكتوبر المشحون بالانفعال والتسرع قد جانبه الصواب وهو بأي حال لا يمكن أن ينال من تلك الحقائق التاريخية اليقينية الساطعة والراسخة حول واحدية الثورة اليمنية"!
وبالأخير يسأل الله لي الهداية والرشد والعودة إلى جادة الصواب! لقد ثرثر كثيرًا وفعل مثل "اللواء" فكتب أشياءً كثيرة يمكن أن يكون لها عَلاقة بالبطيخ والملوخية والسلتة وحتى الثقوب السوداء لكنه فشل في تقديم دليل واحد يثبت الواحدية المزعومة، فرغم أنني قدَّمت (في "الثوري") خمسة أسباب ينفي كل منها وجود ما يسمى بواحدية الثورة اليمنية؛ إلا أنني أصبحت لدى هذا المزايد وأمثاله معتسفـًا للحقائق ومشوهـًا للتاريخ!
لقد أوجعتهم الحقائق لكنني لمست لدى الذين أعرفهم ارتياحـًا لما كتبته حتى أن سياسيـًا كبيرًا ومثقفـًا مثل د.ياسين سعيد نعمان اعتبر ما كتبته مؤخرًا بأنـّه أروع ما كتب في التاريخ الوطني للجنوب، وأنا اعتز بشهادته التي أخجلت تواضعي، أم أنـّه مطلوب أن لا أصدق ياسين ولا كل أصدقائي الذين أشادوا وأن أصدق كذابي الزفة الذين يتهمونني بتشويه التاريخ لمجرد أنني صححت كثيرًا من المفاهيم والمعلومات الخاطئة التي ألحقوها بتاريخنا الوطني بنفاقهم ودجلهم ورخصهم، وأؤكد بأن أحدًا منهم لم ولن يستطع إثبات وجود ما يسمى بواحدية الثورة اليمنية أو أن يثبتوا أن السلطة بصنعاء قدمت ريالاً واحدًا أو طلقة رصاص واحدة للجبهة القومية وهي تقود الكفاح المسلح لتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني وحلفائه من الحكام المحليين، أو أن يثبت أحد أن الشيخ راجح لبوزة عاد من الشمال إلى ردفان باتفاق مع السلطة أو مع المقدم أحمد الكبسي قائد لواء إب لتفجير ثورة بالجنوب، أو أن بريطانيا أو حكومة الاتحاد طالبته بتسليم سلاح ودفع غرامة فهذا مجرد تزوير، ولا يستطيع أحد إثبات أن لبوزة قتل في يوم انطلاق ثورة 14 أكتوبر المجيدة وليس قبلها في معركة لا علاقة لها أبداً بتحرير الجنوب.. لقد تبيَّن لي حقائق عديدة تدحض بعض ما كان متداولاً والأمانة تقتضي مني إطلاع الناس على تلك الحقائق.
وفي هذا المقام لن يفوتني أن أشكر كل من كتب مؤيدًا لما كتبته وبالأخص الكاتب عبدالله الأحمدي الذي كتب بصحيفة "الشارع" شيئـًا مماثلاً لما كتبته بأن حركة 26 سبتمبر لم تحقق أهدافها وأن ما تحقق من تطور كان بفعل الزمن فقط، وأضاف : "وإذا كان ثوار سبتمبر قد أسقطوا العمامة وأبدلوها بالبنطلون والبدلة فإن العمامة سرعان ما عادت" وكتب "الثورة الوحيدة التي حملت لواء تغيير العَلاقات الاجتماعية في الواقع هي ثورة 14 أكتوبر" كلام جميل يا أحمدي وقد أخذت عنوان مقالي هذا من عبارة بمقالك تقول : "يا نجيب هناك من يتمنون التاريخ مكتوبـًا بالطباشير ليمسحوه"، وأشكرك على العبارات الرقيقة التي وجهتها لي ومنها : "في مقالك المعنون : لا للإرهاب الفكري... المنشور في الثوري ألقمت المزورين والمدّعين حجرًا ولأول مرة نقرأ حقائق موضوعية عن ثورة 14 أكتوبر"، وحيث أنني ألقمتهم حجرًا فإنني أؤكد مجددًا بأنني لن أرد على كل من يشتمني أو يقوم بتزوير تاريخنا التزامـًا مني بنصيحة الأقارب والأصدقاء والتزامـًا بالحكمة الشعرية القائلة "لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا، لصار الصخر مثقالاً بدينار".
لكني سأواصل إفحام مزوري التاريخ
وإذا كان ولابد من وجود ثورة أم فلن تكون غير ثورة 14 أكتوبر وهذا ما سأثبته في المقال القادم بإذن الله, فثورة أكتوبر كانت الأم لحركة 26 سبتمبر ومسألة السبق الزمني ليس لها أي قيمة فهناك جملة من الأسباب الموضوعية التي سأقدمها للقارئ.
أيضـًا في مقالي القادم سأفند بإذن الله (تفنيد الشيء هو إثبات عدم صحته) ما كتبه بالصحيفة نفسها (26 سبتمبر) لواء آخر (بس ركن, ويبدو إنه في هذه المرة من محافظة إب) من فبركات نسبها للشهيد البطل علي عبدالمغني والشهيد منها براء بدءًا من الزعم بالتقاء علي عبدالمغني الرئيس عبدالناصر في شرم الشيخ! وانتهاء بأن علي عبدالمغني هو الذي خطط لتفجير ثورة 14 أكتوبر!
فاللواء ركن أورد وقائع مختلقة في محاولة هزيلة لإثبات الواحدية إياها!
لتفكير القراء الأذكياء
سنلتقي بإذن الله تعالى مع الموضوعين (الثورة الأم وتفنيد مزاعم اللواء الركن) وفي عدد يتبع سأبيِّن جانبـًا يثبت زيف واختلاق الرسالتين اللتين يزعم البعض أنَّهما تبودلت بين المدعو بالضابط السياسي "ميلن" والشيخ راجح لبوزة، وأرغب في إشراك القارئ المهتم معي، لذا سأورد له في ما يلي نص الرسالة التي تنشر دائمـًا في الصحافة اليمنية (ونشرها العقيد محمد عباس ناجي الضالعي بكتاب له متفاخرًا برد لبوزة عليها مع أن الرسالة والرد مختلقين)، وسأترك القارئ لأسبوعين ليتمعن فيها حتى يكتشف بنفسه أنـَّها مختلقة بعد مقتل لبوزة، أن أكثر القراء اطلاعـًا على تاريخنا الوطني يمكنه أن يكتشف فيها 6 أخطاء جسيمة يثبت كل منها أن الرسالة مختلقة، أما أقل القراء إطلاعـًا على تاريخنا فيستطيع اكتشاف خطأين جسيمين بالرسالة يثبتان أنه مختلقة، وإليكم نص الرسالة المزعومة :
إلى حضرة الشيخ راجح غالب لبوزة ورفاقه العائدون من الجمهورية العربية اليمنية
السلام عليكم
وبعد لقد تلقينا نبأ وصولكم من الجمهورية العربية اليمنية إلى وطنكم الجنوب العربي بين أهلكم في ردفان وأنتم تحملون الأسلحة والقنابل اليدوية.
وعليه فإنـّه يتوجب عليكم الحضور إلى عاصمة ردفان الحبيلين ومقابلة الضابط البريطاني المسئول السياسي لبريطانيا والنائب محمود حسن علي للتفاهم معكم وبحوزتكم الأسلحة والقنابل مع خمسمائة شلن "درهم" ضمانة بعدم عودتكم إلى اليمن. وأن حكومتكم حكومة الاتحاد للجنوب العربي سوف تضمن بقاءكم ما لم فإنكم سوف تنالون العقاب الشديد من حكومة بريطانية وحكومتكم حكومة اتحاد الجنوب العربي.والسلام عليكم
النائب / محمود حسن علي
نائب مشيخة القطيبي
المستر / ميلن