ثورات التغيير في تونس ومصر
وتاثيرها على دول المنطقه
الثورة هي انقلاب جذري في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في بلد معين بسبب نضوج عدد من العوامل ألذاتيه والموضوعية التي تنشاء في داخل المجتمعات منها مايتعلق باستبداد الانظمه وغياب الحريات ومنها مايتعلق بالظروف المعيشية والاقتصادية بسبب التوزيع غير العادل للثروة وغياب العدالة الاجتماعية وفي الغالب فأن تلك الثورات تقوم دون تخطيط" مسبق وبشكل عفوي فتلتقطها أحزاب أو تنظيمات تتبنى تحقيق مطالبها أو تولد من رحم تلك الثورة قيادات جديدة لقيادتها خلال مخاض الإحداث كما حصل في الثورة الفرنسية عام 1789م والثورة الروسية عام 1917م والتي سيطر عليها البلاشفه وغيرها من الثورات وتتكون الثورات من مرحلتين المرحلة الأولى يتلخص هدفها بالقضاء على النظام القديم وهدم كل مؤسساته وقطع الصلة بكل ماينتمي إلى ماضيه وتهيئة الظروف للانتقال إلى المرحلة الثانية التي يتحدد هدفها ببناء نظام جديد يحقق الأهداف التي قامت من اجلها هذه الثورة0
وبالنظر إلى ماحدث في تونس فأن ما أطلق عليها بثورة الياسمين الذي استمرت زهاء أربعه أسابيع بين منتصف ديسمبر 2010م والأسابيع الأولى من يناير 2011م قدم فيها الشعب التونسي قرابة (100) شهيد ومئات الجرحى كانت نتاجا" لما مارسه النظام التونسي على شعبه من استبداد وتغييب للحريات وقمع واعتقالات خارج القانون وسيطرة شديدة للحزب الواحد أو ماعرف بالحزب الدستوري الحاكم وانفراد الرئيس المخلوع زين العابدين بالحكم على مدى (23عام) منذ 17نوفمبر 1987م بالاضافه إلى الأوضاع المعيشية السيئة للكثير من فئات الشعب بسبب عدم التوزيع العادل للثروة وتفشي الفساد والمحسوبية وقد حققت هذه الثورة المرحلة الأولى من هدفها بخلع النظام الحاكم في تونس بنجاح منقطع النظير يعود سببه الرئيسي إلى انحياز المؤسسة العسكرية للثورة وعصيان أوامر النظام بمواجهتها وكذاء مابداه من أراده قويه لتغيير النظام بالاضافه إلى الدعم المعنوي الذي تجسد في المواقف المسبقة والمعلنة لعدد من الدول الغربية وعلى رئسها الولايات المتحدة الامريكيه بالاضافه إلى تأييد الشعوب العربية لها وحياد أنظمتها والتصميم على إزالته بأي ثمن كهدف لأرجعه عنه وبالنسبة للمرحلة الثانية من مراحل الثورة التونسية فلم يتحقق إلا جزئيا" بسبب بقاء الكثير من عناصر النظام السابق في مناصبهم السياسية كرئيس الوزراء محمد الغنوشي ووزيري المالية والخارجية والعديد من الشخصيات السياسية الأخرى في الصف القيادي الأول والثاني في أجهزة الحكم المختلفة والذين كانوا جزء لايتجزء من إلية عمل نظام الحكم البائد وممن يديرون سياساته فلايمكن لهم إن يقودوا التحولات ألاقتصاديه والاجتماعية والسياسية للنظام الجديد الذي قام ضد مصالحهم بجديه ولايعني تخليهم عن انتمائهم للحزب الحاكم لسنيا" تخليهم عنه فكريا" وهو جزء من تركيبتهم الفكرية والثقافية وعدم منطقية التحول بين ليله وضحاها من اليمين إلى اليسار وبالتالي تأرجحه هذه ألانتفاضه الشعبية بين ماحققته إلى حد ألان بين الثورة الكاملة وبين ثورة لتغيير نظام وتحقيق بعض الإصلاحات الريديكاليه فقط كونها لم تستطع إجراء تغيير كلي في البناء التحتي والفوقي لتحقيق أهدافها الثورة الكاملة, لذالك استمر الصراع بين القديم والجديد بعد انتهاء نظام بن علي المتمثل ببقاياء النظام في السلطة الذي يحاول الاستمرار والتظاهر بتأييد الثورة وبين شباب ألانتفاضه الذي يراء انه يجب رحيل كل عناصر النظام لتحقيق أهداف انتفاضتهم وهو مانتج عنه لاحقا"من استمرار المظاهرات ضد بعض القيادات في النظام الذي أبدت مقاومتها لهم معتمده على ماتبقى لديها من وسائل قمع وحكم كما حصل في إحدى الولايات عندما طالبت بتغيير حاكم الولاية وسقط فيها عدد من الشهداء والجرحى0
إن نجاح الثورة التونسية كسر حاجز الخوف لدى الكثير من شعوب الدول العربية التي سارعت إلى تأييدها ونفذت العديد من المظاهرات إمام السفارات التونسية في بلدانها تاييدا" لها وطالبت برحيل الانظمه على ألطريقه التونسية أو إسقاطها فخلقت الذعر في أنظمتها وهزة عروش حكامها وتهيئة الظروف لانهيارها في موقف شبيه بانهيار الانظمه الملكية في الخمسينات والستينات على أيدي القوى الثورية والتحررية الذي عرفت لاحقا" بالا نظمه الجمهورية أو كالا نظمه الشوعيه في اورباء الشرقية التي انهارت واحدا" تلو الآخر بداية التسعينات من هذا القرن وهو مابدء الحال عليه في كل" من مصر واليمن والأردن والجزائر بشكل ملموس وتشظي خفي في كل من المغرب وموريتانيا وليبيا وسوريا دفع بأنظمة هذه البلدان إلى القيام بإجراءات اصطلاحيه استباقيه قدمه فيها الانظمه تنازلات كبيره لامتصاص حماس شعوبها مستفيدة مما جراء في تونس تمثلت بين إصلاحات سياسيه واقتصاديه لكنها لم تجدي فما سمي بثورة الشباب في مصر لم يوقفها قرارات مبارك المتعلقة بتعهده بعدم التمديد أو التوريث أو تعديل الدستور وإقالة الحكومة وتعيين نائبا" له كان مغيبا" منذ (30) عام وكل متقدم به من إصلاحات لاتبتعد كثيرا" عمى قدمه بن علي إلا أن المتظاهرين صعدوا من مطالبهم و طالبوا برحيل النظام ومحاسبة الاجهزه الامنيه التي قامت بقمع المتظاهرين قتلت خلالها حتى ألان قرابة (150مواطن) وجرحت قرابة(5000منهم) بالاضافه إلى مئات المعتقلين والمفقودين والخسائر في الممتلكات الخاصة والعامة والظريف إن سيناريو هذه الإحداث لم يخرج إلى حدا" ماء عن ألطريقه التونسية في جوانب سلوك النظام إلا إن هذه الثورة تميزت بتنظيمها الرائع وكمنت قوتها في استمراريتا واشتراك عائلات بكاملها في أنشطتها واعتصاماتها ومرابطتها المستمرة في مختلف ميادين محافظات مصر بإعداد مليونيه على مدار الساعة منذ قرابة أسبوعين حتى ألان استطاعت إن تدفع بكل الأحزاب والعديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية للانضمام إليها .إلا إن ما يعيبها هو تأرجحها بين إن تستمر كثورة حقيقية تحقق كامل أهدافها أو السعي لتغيير النظام فقط من خلال ممارسة سياسة شد الحبل مع النظام اومايقوم به النظام من مغازلة لها بتقديم بعض التنازلات واستخدام سياسة العصا والجزرة بالاضافه إلى موقف الجيش الحيادي الذي يمسك العصا من الوسط وكذاء غموض الموقف الدولي والإقليمي الغير واضح والمتناقض الرسمي وليس الشعبي الغالب بطبعه على تأييد مبارك لحسابات تتعلق بأمن المنطقة والأمن الإسرائيلي والخوف من وصول الاصولين الإسلاميين للحكم وهذا في مجمله ما إغراء السلطة بالاستمرار كمحاولة منها لاستنزاف حماس المتظاهرين وقدراتهم في أمل" منها إن يقتنع المتظاهرون بما تحقق لهم من مطالب رغم مايلحق بمصر من خسائر يوميه تقتضي مصلحتها إن يمارس الجيش ضغوطا" حقيقية على مبارك للرحيل 0
وفي اليمن فرغم ما قدمه النظام من تنازلات تمثلت بلائته الثلاثة المتعلقة بعدم التوريث والتمديد وتصفير العداد وتعهداته بالإصلاح السياسي والاقتصادي وزيادة مرتبات الموظفين . إلا إن طلاب جامعة صنعاء نفذوا العديد من الاعتصامات والمظاهرات التي طالبة برحيل صالح شارك فيها الكثير من الشباب والحقوقيين والنشطاء الحزبيين ورجال الإعلام اعتقل على أثرها العديد منهم كان على رأسهم الناشطة الحقوقية الاستاذه (توكل كرمان) تبع تلك الاعتصامات والمظاهرات مهرجانات مليونيه نظمتها أحزاب اللقاء المشترك في كل محافظات الجمهورية هزت كرسي الحاكم اليمني ودفعته إلى إخراج موظفين السلطة في مظاهرات معاكسه تأييدا" له و استخدام القوه المفرطة ضد المتظاهرين واعتقل الكثير منهم وحشد كل قوى السلطة ومؤسسات الحكم للضغط على الأحزاب والنشطاء السياسيين بوقف المظاهرات ت ومحاورته0
إن نجاح الثورة المصرية سيترتب عنه الكثير من المتغيرات في المنطقة العربية نظرا" لما تطلع به مصر من دور قيادي وريادي في المنطقة على الصعيد السياسي والاقتصادي ومختلف الاصعده وتبنيها ورعايتها للكثير من الانظمه الجمهورية التي أنشئت على أنقاض الانظمه الملكية وبالتالي فأن هذه الانظمه تضع أيديها عل قلوبها وتعمل كل مابوسعها لدعم نظام مبارك واستجداء المواقف الاقليميه والدولية لدعم هذا النظام بحجة إن انهيار نظام مصر يعني انهيار لكل الانظمه في المنطقة وبالتالي انتشار الفوضى والخراب وجعلها ارض خصبه لرعاية الإرهاب وتسهيل وصول الإسلاميين لأنظمة الحكم فيها وتحولها إلى أماكن أمنه للجماعات الجهاد والقاعدة وبالتالي انهيار امن إسرائيل ووقوع مصالحها في المنطقة تحت مرمى هذه الجماعات 0
محمد ألحميدي