كتابات
عفواً إنها قضيتنا منذ سبعة عشر عاماً
عفواً إنها قضيتنا منذ سبعة عشر عاماً
رائد الجحافي
يكثر الحديث هذه الأيام داخلياً وخارجياً حول الثورة الشعبية الراهنة, ويحاول الكثيرون فرض واقع شعار "إسقاط النظام " على الجميع بمن فيهم الجنوبيين وهنا وفي هذه النقطة يتعاطى المتعاطي من منطلقات تختلف أو تتفق في ظاهرها ولا تلتقي في باطنها, هؤلاء الذين يريدون فرض شعار "إسقاط النظام " كشعار على اليمن بشماله وجنوبه يتذرعون بأن سبب انهيار الوحدة هو النظام القائم وأنه بزواله ستزول رغبة التشطير كما يحلو لهم تسميتها أي رغبة "فك الارتباط " كأمر واقع يفرض نفسه بالنسبة لنا نحن أبناء الجنوب, وهنا وفي الجنوب ثمة من يؤيد هذه الفكرة أي فكرة توحيد الشعار"إسقاط النظام " بمبرر ضمان استمرار انتفاضة الشعب في الشمال وإغلاق ورقة الوحدة والانفصال التي قد يستفيد منها نظام الرئيس صالح إن نجح في استخدامها, والرأي الأخير هو الذي يحاور أبناء الشمال به الجنوبيين اليوم, ويقنعون به بل وأقنعوا به قوى المحيط الخارجي الداعم لانتفاضة الشعوب.
ومن هذا الأمر أصبحنا في الجنوب نستشعر مرارة الغد المبهم, وليس مجرد مخاوف من المستقبل بل قد تكون الحقيقة التي ستتحقق إذا ما سلمنا بما يذهب إليه إخواننا في الشمال, ولكن أمام هذا وذاك يجب أن نخرج عن صمتنا ولا نقبل بهذا الإملاء الخطير. لماذا لانقبل بهكذا أصوات؟
أولاً : نرفض ذلك حتى لا نكون نحن دائماً الضحية في كل مرة, بالأمس سلمنا بالوحدة وارتضينا بها, ثم قبلنا برحيل أقطاب الحكم من الجنوبيين في حرب 94م تحت مبرر وأمل لعل وعسى أن الأوضاع تتحسن, ورغم ماذقناه من مرارة الواقع الذي عايشناه عقب حرب 94م إلاًّ أن غالبيتنا اقتنعوا بوهم صحوة الشمال وامكانية تغيير الوضع عن طريق صندوق الانتخاب في الانتخابات الرئاسية 2006م وراهنا على الجماهير الحاشدة المعارضة للرئيس في أنها ستفرض التغيير عن طريق الصندوق أو عن طريق اللجوء إلى الشارع كما هدد بها حميد الأحمر والمشترك حينها, ولا ذا أو ذاك قد حدث, ومرت مرور الكرام ورجعنا نعض على أصابعنا بل تعززت قناعاتنا وخياراتنا نحو ضرورة استعادة دولتنا، خرجنا سلمياً في انتفاضة متصاعدة تكاد تبلغ عامها الرابع اليوم، انتفاضة مليونية متواصلة حضارية سلمية دفعنا ثمن استمراريتها وصمودها انهار من الدماء لمئات الشهداء والاف الجرحى والاف المعتقلين والمشردين والمطاردين، وبالتالي كانت مواقف أحزاب المشترك وكافة القوى المستقلة في الشمال بمنأى عما يجري في الجنوب بل وهناك من تعاون مع السلطة في حربها على الجنوبيين، وجرى ضرب القرى الجنوبية في المعجلة بابين وفي شبوة بالطائرات، كما جرى ضرب قرى ومدن جنوبية أخرى ودكت المنازل على رؤوس الأطفال والنساء ولم يحرك أحداً ساكناً، 75 شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن في المعجلة، لقد كانت جريمة بكل ماللكلمة من معان قاسية ولم نر هناك في الشمال من يقدم استقالته من كتلة الحزب الحاكم في البرلمان ولم يخرج حتى القليل إلى الشارع لإدانة الجريمة، 24 شهيداً قتلوا في طرف عين وبدم بارد في مدينة زنجبار بتاريخ 23يوليو 2009م لأنهم أقاموا مهرجان سلمي ولم يستنكر أحدا، العشرات في الضالع وفي ردفان وعدن وحضرموت وفي كافة مناطق الجنوب سفكت السلطة دمائهم، جرائم إبادة وسفك دما أبرياء وأطفال ونساء دون وجه حق، ولم نر الزنداني أو الديلمي أو أيا من هكذا من يدعون إنهم علماء دين في اليمن يخرج ويدين الجرائم، بل هناك من ذهب يشرعن ويحلل قتل الأبرياء في الجنوب واستغل بعض الساسة من أحزاب المشترك الفرص لتحقيق مكاسب شخصية، أين هؤلاء العلماء هل وقف احدهم ولو لدعوة إغاثة المنكوبين، هؤلاء الذين يبررون استقالتهم اليوم وخروجهم على واليهم بما حدث للمعتصمين في صنعاء وتعز.
يا أبناء الشمال نقول ما نقوله لكم هنا كحقيقة وواقع، وبالتالي لا يعني إننا ضدكم أو ضد ثورتكم ولسنا من مؤيدي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي سفك كل تلك الدماء في الجنوب بقدر ما نحن نتوق ليس لرحيل الرئيس وزبانيته فحسب بل لمحاكمتهم وإنزال أقصى عقوبات، وهذا لايعني بالضرورة في حد ذاته أن نقبل التنازل عن قضيتنا الجنوبية وعن هدفنا المنشود الذي ناضلنا من اجله طويلاً وقدمنا مالم يقدمه شعب على الإطلاق، وهنا مجرد العبث بهكذا كلام يؤلمنا كثيراً لان هذا في اعتباراتنا نحن ضحايا الوحدة يعد ضرب من الاستهتار واسترخاص لدماء شهدائنا وجرحانا، ولا أضنكم تجهلون شرعية مطالبنا، فان كانت ممارسات الحاكم وبلاطجته تجاهكم اليوم قد اثارتكم فان ضعف أضعاف هذه الممارسات نتجرع ويلاتها سبعة عشر عاماً ثم إن خروجكم اليوم لم يكن لأجل أبناء الجنوب ولا في سبيل الوحدة التي إن كنتم تقدرون مكانتها لكنتم خرجتم من سنين بعيدة، سبعة عشر عاماً سلبت أراضينا ونهبت ممتلكاتنا وسرحنا من وظائفنا وذقنا مرارة الجوع وسفكت دمائنا والى يومنا هذا منا من هو مطارد في أرضنا والآخر مشرد في المنافي, وأمام كل هذا ومع هذا ألم يكن خروجكم اليوم قد جاء بسبب ماجرى لنا من ظلم وحرب إبادة وتشريد, لهذا نستسمجكم عذراً إن كنتم تنشدون حياة الكرامة والعزة أن تتركوا لنا حالنا وتدعونا نواصل ما تبقى من حياتنا في النضال من أجل تحقيق هدفنا باستعادة دولتنا عندها إذا ما تحقق الأمن والاستقرار وعادت لنا ثقتنا بكم فإن المجال مفتوح للحوار وإقامة دولة موحدة تأتي بالتراضي والعدالة, وأقول لمن يزعم أن استمرار دعوتنا بفك الارتباط ستحبط الانتفاضة الشعبية اليمنية وستفشلها فهذه سياسة التلاعب بالمبررات والتسلق على جثث الشهداء, وانتم تدركون إننا ماضون في تحقيق هدفنا وأهون لنا تحقيق هدفنا في ظل نظام صالح ولا يضيرنا شيئاً إن خمدت الثورة الشعبية اليمنية, ولكننا نحب لكم ما نحبه لأنفسنا ونبارك لكم إسقاط الدكتاتور وتحقيق الاستقرار بينكم.