مخطئ من يظن بأن الثورة الشبابية الشعبية اليمنية ستنحرف عن مسارها لمجرد وجود بعض الأفراد أو الجماعات التي تريد الإنقضاض عليها وإختطافها أو العبث بها كما يحدث هذه الأيام في ساحات الحرية والتغيير في اليمن وخارجها.

ثورة الشباب الراهنة تعني ثورة الأمة بكل شرائحها وأطيافها ومعبرة عنها ، وبالتالي لا يمكن إختزالها في جماعات متطرفة أو حسابات سياسية ضيقة ، أو إختطافها بنفس الأدوات القديمة او الحديثة كما تم إختطاف وسرقة الثورات اليمنية السابقة ، والطريقة التي يتم بها تكسير منصات الشباب أو حرمانهم من التعبير عن ثورتهم لن يزيد الثورة إلا غلياناً وصموداً وتحدياً حتى بلوغ أهدافها ، والعناصر التي فرختهم السلطة الحالية من أحزاب وعسكر وأفراد وكتاب وجرائد ومشولحين لن يثنوا شباب التغيير من المضي لما يصبون إليه.

وكلما زدنا شهيد إنكشف ورق جديد تعبر عن ألاعيب الماضي والحاضر ، فلا فرق بين إنضمام طارق الفضلي إلى الحراك الجنوبي ، وعلي محسن إلى ثورة الشباب. لكن الفرق هو بين الحراك الجنوبي والثورة الشبابية الشعبية اليمنية ؛ الحراك كان مُمثلاً لمجتمع من المظلومين المسروقين في جنوبنا اليمني وانخدعت شرائح من هذا المجتمع بانضمام الفضلي الذي خرج من عباءة علي محسن الذي قال بأن "إنضمامه للثورة ليس إنقلاباً وأن الرئيس يعرف أنه سلم له السلطة ثلاث مرات بعد خلعه منها" فما الذي لا يجعل أن تكون هذه المرة هي الرابعة ليسلم للرئيس السلطة أيضاً ؟؟؟ هل يعود السبب لقصة ويكيليكس التي ذكرت بأن الطيار السعودي لم يقصف علي محسن الأحمر بحسب الإحداثية المكلف بتنفيذها لأنه أحس وهو في الجو بأن علي محسن موجود في نفس الموقع المقرر قصفه !!؟ يالها من طقطوقة وكم تثير من تساؤلات!!. ولكي تعم الفائدة والتوصل إلى تحليل صحيح لهذه الطقطوقة هذا إقتباس للموضوع باللون الأحمر من موقع ويكيلكس وسنحاول تفنيده جملة جملة لتوضيح الحقيقة:
ويكيليكس: "كيف تُختار الأهداف المزمع قصفها؟لقد أعطى الأمير خالد للسفير شرحاً تفصيلياً يوضح كيف أن الأهداف التي تُقدّم إلى القوات الجوية السعودية لقصفها كانت تجري دراستها وفحصها من قبل اللجنة اليمنية السعودية المشتركة التي رأسها قادة عسكريون من الجانبين." اولاً موقع وكيليكس لم يقم بأكثر من تسريب وثيقة للسفارة الأمريكية في الرياض سجلت ما ذكره أمير الحرب السعودي خالد عن حربه ضد أبناء محافظة صعدة الذي يفترض أن يكون على تفاهم مع أمير الحرب اليمني علي محسن الأحمر ومع الحاكم علي عبدالله صالح على السواء وهم يقومون بحرب مشتركة ضد أبناء اليمن. ثانياً أن أمير الحرب لم يقدم وثيقة تثبت وجود خطأ في الإحداثية أو الإحداثية نفسها التي كانت تستهدف جنرال الحرب علي محسن بل أثبت في الحديث بأنه لا يتم قصف أي هدف إلا بعد موافقة لجنة يمنية سعودية من كبار الضباط فلا يعقل أن لا يوجد ممثل واحد على الأقل لعلي محسن في هذه اللجنة وهو الذي يحظى بممثلين في كل القطاعات والشرائح المدنية والسياسية والقبلية والدبلوماسية بمافي ذلك دار الرئاسة كما لاحظنا موخراً من خلال قفزهم بعده على موجة الثورة اليمنية ناهيك عن لجنة عسكرية تشرف على قصف مواقع هو شخصياً متواجد فيها، فضلاً عن كونه القائد الأول للحملة العسكرية ضد الحوثيين بالإضافة إلى أنه الرجل الأول في الجيش اليمني ويحتكم إليه كل من في السلطة والقبيلة اليمنية.

ويكيليس:"تقوم اللجنة برفع التقارير إلى الأمير خالد، ولا يمكن أن تكون هناك أي عملية قصف ما لم تحصل على إذن نهائي من قبل هذه اللجنة". ثالثاً تثبت هذه الفقرة أنه لا يمكن تمرير أي عملية قصف إلا بعد إذن نهائي ، بمعنى أن أي قرار قصف لا يتم إتخاذه إلا بعد عمليات تدقيق وتمحيص ويصدر أمر عسكري لتنفيذه. وفي العرف العسكري لا يمتلك من يقوم بالتنفيذ في ميدان المعركة الحق في الإعتراض أو إبداء الرأي أو التفاوض او التراجع عن تنفيذ الأمر.

وكيليكس:"هل ارتكبوا أخطاء؟ محتمل". رابعاً: أمير الحرب خالد ليس متأكد من إرتكابه أخطاءا في حرب صعدة ولا يعرف بأن الحرب كلها كانت خطأ في خطاً فضلاً عن الإنتهاكات الإنسانية الدولية التي تم إرتكابها وغزو دولة عربية إسلامية جارة والتدخل في شؤونها الداخلية بشكل سافر وبشع مع إستخدام أخطر أنواع الأسلحة المحرمة دولياً بهدف التطهير العرقي لشريحة من المجتمع اليمني أستشهد فيها آلاف الأبرياء العزل من نساء وشيوخ وأطفال وشرد مئات الآلاف ، وأعتبر كل هذا خطأ محتمل. لكن الخطأ الذي كان متأكد منه ، أو بالأصح السبب الرئيسي من أجراء المقابلة مع السفير الأمريكي ، هو نقل الخبر المدسوس بإستهداف علي محسن صالح من قبل علي عبدالله صالح.

وكيليكس : "لقد أوضح لنا الأمير خالد أنه واجه مشاكل بخصوص بعض التوصيات التي يرفعها الجانب اليمني بخصوص الأهداف المزمع قصفها. على سبيل المثال، ذات مرّة أجهض الطيارون السعوديون ضربة جويّة وشيكة عندما أحسّوا بأن هناك خطأ ما في المعلومات التي تسلّموها من الجانب اليمني. وقد اتّضح فيما بعد أن الهدف الذي أوصى الجانب اليمني بقصفه لم يكن سوى المقر العام للّواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية والذي ينظر إليه بوصفه معارضاً سياسياً للرئيس صالح". خامساً: وهنا يبرز فحوى الدس والهدف منه هو التأكيد على وجود مؤامرة بالتخلص من علي محسن شريكه وزميله في جرائم الحرب لكنه خطأ لم يتم تنفيذه أو تم إستدراكه في اللحظة الأخيرة من القصف ، وهذا بالفعل ما يستدعي ويسترعي التأمل ثم التعجب ثم الرثاء وبعدها اليقين بأن طقطوقة خلاف الرئيس مع علي محسن ما هي إلا طقطوقة مفبركة بإحتمال مئة في المئة من قبل النظام السعودي والنظام اليمني للتدليس على الأمريكان أولاً وعلى الشعب اليمني ثانياً الهدف منه مواصلة إحتواء اليمن وشعبه لحقبات زمنية أخرى قادمة وإيهام الجميع بأن هناك صراع سياسي بين علي صالح وعلي محسن على خلفية "توريث الحكم" وذلك من أجل إستثمار هذا التدليس والكذب لمثل هذه اللحظة التاريخية الحالية التي ينقض من خلالها النظام المتهاوي تحت سنابق الشباب اليمني على الثورة اليمنية الشابه مجدداً بمباركة سعودية وحيرة أمريكية.
ومع ذلك إذا افترضنا جدلا أن هناك خلافا حقيقيا بينهما وأن علي محسن تمرد على رفيق دربه صالح فتعالوا نحاكم النتيجة ألم نكن قبل دخول علي محسن على خط الثورة الشبابية مرتاحين لنتيجة الثورة وتحقيق هدفها سريعا .. ألم يكن علي صالح مرتبكا وفي وضع لا يحسد عليه ويعد ايامه الاخيرة .. أما الآن ألم تقل بعض التقارير السياسية والاعلامية والاستخباراتية ايضا بأن صالح بدأ يستعيد بعض التوازن فمالذي يفسر هذا التوازن ؟ أليس دخول علي محسن على الخط أحد التفسيرات! ومحاولته التحول إلى درع حمائي للشباب بعد الأثر السيء لمجزرة جمعة الكرامة التي كانت ستأتي بهم جميعاً وهو الأمر الذي روجت له صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية التي وصفت محسن بدرع المتظاهرين.
وأياً كانت التفسيرات و نتيجة هذه الطقطوقة الخرافية فالثورة هذه المرة لم ولن تنخدع بإنضمام علي محسن لها مهما بلغ اللؤم والذكاء مبلغه ومهما بلغ تحايل الحاكم المترنح وبهلوانيته ـ لأنها هذه المرة هي ثورة كل الشعب اليمني بكل قطاعاته وشرائحه وأجياله وجباله وسهوله ووديانه فضلاً عن كونها جزء من ثورة كل العرب الكبرى من المحيط إلى الخليج ، وثورة كهذه لايمكن أن تكون إلا محمية ومحروسة بقوة الخالق وقدرته. {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}
وكما يقال في طقطوقة أخرى بأن "هذا الشبل من ذاك الأسد" أو بأن "إبن الوز عوام" ولكن أيضاً بأن "الضباع لا يمكن أن تلد إلا ضباعاً". لذا لا يمكن أن ننسى من ناحية أخرى بأن الحاكم صالح هو من فرخ حزب الإصلاح ليُجهز به على الوحدة اليمنية وعلى الديمقراطية في حرب 94 فلا يمكن لمن تكون هذه هي وظائفه وهذه هي خصاله أن يتحول في يوم وليلة ليصبح مع الثورة ومع الوحدة ومع الديمقراطية مهما كانت ألبسته وألوانه وطرابيشه ومنصاته ومنابره وميكريفوناته ، لاسيما وأن كل تاريخه وكل مصالحه قد أرتبطت إرتباطاً عضوياً ومعنوياً ومادياً وأقتصادياُ وسياسياً مع الثورات المسروقة والمنهوبة منذ ثورتي سبتمبر وأوكتوبر. فأين سيخفي كل هذه الغنائم لينتقل إلى ثورة أخرى نقية وناصعة البياض.

نعرف بأن الثورة اليمنية قد تأخذ مدى أطول من المتوقع ، لأنها بالفعل أصعب وأعقد من أي ثورة أخرى في الوطن العربي والسبب أنها تقع في جنوب غرب الجزيرة العربية وعلى حدود منابع النفط والثروة التي تشبع أوروبا والبنوك الدولية وتتخم بطون أثرياء العالم لكنها في الوقت نفسه تقتل وتجوع أبناء اليمن ومن يسانده الحظ منهم يتشرد في أنحاء العالم بحثاً عن لقمة العيش الممرغة بالذل ليسد بها رمقه ورمق عياله ، لذا فإن هذه الثورة لا شك بأنها ستؤتي أكلها عاجلاً أم آجلاً ولا يمكن لها بعد أن خرجت أن تعود إلى القماقم السابقة.
لذا نقول لكل الطامعين أن يرفعوا أيديهم عن الثورة اليمنية لأنها آتية لا ريب فيها ، بل الأجدر بهم أن يقفوا معها .. لا عليها وأن يكفوا عن محاولة تفريغها من مضامينها كما فعلوا في الثورات اليمنية السابقة. وعليهم أن يدركوا بأن الزمن الذي نعيشه اليوم ليس زمن الأمس وأن عصرهم قد ولى وأن أدواتهم القديمة التي يعتقدون بأنها ما تزال صالحة نقول لهم بأنها باتت كالحة في زمن اليوم وبأن الإستمرار أو الإستحمار في إستخدامها سيعود عليهم بالخسران المبين .{وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون