فرضت ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما عقوبات مباشرة على الرئيس السوري بشار الأسد من بينها تجميد ارصدته، الى جانب ثلاثة مسؤولين امنيين آخرين، وهي المرة الاولى التي تقدم فيها على مثل هذه الخطوة، وهي التي حرصت على استثنائه من اي عقوبات اثناء اصدارها قائمتها الاولى التي شملت 17 مسؤولاً سورياً، بينهم شقيقه ماهر ورئيس المخابرات العامة علي المملوك وابن خاله الملياردير رامي مخلوف.
الرئيس بشار لا يملك ارصدة مالية باسمه في الولايات المتحدة الامريكية، ولا نعتقد انه يملك ارصدة ايضاً في المصارف الاوروبية، ولذلك فإن هذه العقوبات رمزية، ومجرد رسالة الهدف منها التحذير من عقوبات اخرى اكثر شدة، اذا ما واصلت الاجهزة الامنية السورية قمعها الدموي للاحتجاجات الغاضبة التي تسود معظم المدن السورية منذ ستة اسابيع، وراح ضحيتها اكثر من 500 شهيد وآلاف الجرحى.
الادارة الامريكية مازالت تتعامل بليونة مع الرئيس السوري، وتراهن عليه كعنصر استقرار في المنطقة، وهذا ما يفسر انذارها الذي اصدرته امس وقالت فيه: 'إما ان تبدأ الاصلاح او ترحل'. وهي لغة لم تستخدمها مع الرئيس المصري حسني مبارك او الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اللذين كانا يعتبران من اقرب الحلفاء العرب الى واشنطن، والأكثر اخلاصاً ودأباً لتنفيذ سياساتها وحماية مصالحها في المنطقة العربية.
في الاسبوع الماضي سربت الادارة الامريكية انباء عن عزمها سحب الشرعية من النظام السوري ورئيسه، وقالت على لسان متحدثين باسمها ان هذه الخطوة باتت وشيكة للغاية، ولكن هذا التهديد الواضح الذي يعني قطع شعرة معاوية مع النظام لم يطبق على ارض الواقع حتى الآن، وان كان من غير المستبعد ان يكون هذا التأجيل او التلكؤ راجعاً الى ترك هذه المسألة للرئيس اوباما للتعاطي معها في خطابه الذي من المفترض ان يلقيه صباح اليوم بالتوقيت الامريكي، ويتناول فيه قضايا الشرق الاوسط وموقف بلاده منها.
تعاطي الادارة الامريكية مع الرئيس بشار يختلف كليا مع تعاطيها مع نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، او بالاحرى ما تبقى منه، فبينما ايدت تغيير النظام الليبي بالقوة وشاركت في التدخل العسكري للتسريع بعملية التغيير هذه، وشجعت حليفتها البريطانية على تكثيف محاولاتها لقتله من خلال استهداف مقراته والاماكن التي من الممكن ان يختبئ فيها، حرصت السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية على تجنب الملف السوري قدر الامكان، والتأكيد على عدم رغبة واشنطن في التدخل عسكريا على غرار ما فعلت في ليبيا.
وربما تفيد الاشارة الى مقارنة اخرى في الاطار نفسه، حول كيفية تعاطي الادارة الامريكية مع المعارضتين الليبية والسورية، فبينما تحتضن الاولى وتنفق 800 مليون دولار على عملياتها العسكرية لدعمها عسكريا من خلال تدمير قدرات العقيد القذافي، ابتعدت هذه الادارة عن المعارضة السورية، او بالاحرى ابعدت، لان هذه المعارضة، والوطنية منها على وجه الخصوص، رفضت جميع العروض الامريكية والغربية، بل وبعض العربية، بالتمويل والتسليح.
ادارة الرئيس اوباما تدرك جيدا ان الملف السوري اكثر تعقيدا بمراحل من الملف الليبي على الصعيدين السياسي والعسكري، فالنظام السوري قوي ويملك آلة قمعية هائلة، وقوات مسلحة خبيرة ومتماسكة، ولهذا ابدت الكثير من التردد حتى الآن في الاقدام على اي تدخل فعلي ضد النظام ودعم للمعارضة الداخلية على وجه الخصوص.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ربما ساهم بتصريحاته التي طالب فيها بعدم اطاحة نظام الرئيس الاسد لعدم وجود البديل، في بلورة هذا الموقف الامريكي حتى الآن، مضافا الى ذلك ان واشنطن شعرت بالرعب عندما شاهدت الرئيس السوري يلعب اقوى اوراقه بفتح الطريق امام اللاجئين الفلسطينيين بالتدفق الى حدود بلادهم واختراقها تجسيدا لحق العودة في ذكرى مرور 63 عاما على نكبة فلسطين والامتين العربية والاسلامية.