عبد الكريم سالم السعدي
مرت علينا قبل ايام الذكرى السابعة عشر لإعلان قرار فك الارتباط ذلك القرار الذي جاء ليتمم خطوات إنهاء الشراكة مع الجمهورية العربية اليمنية الموقعة في 22/مايو/1990م , تلك الخطوات التي بدأت تتوالى وتتصاعد ابتداء من سلوك الإلغاء والتهميش الذي مارسه نظام علي عبد الله صالح عقب الانتهاء من توقيع اتفاقات الشراكة مرورا بحملة الاغتيالات الواسعة التي تعرض لها أبناء الجنوب آنذاك وحالة عدم الاستقرار التي فرضت عليهم وحولتهم إلى مطاردون وملاحقون من قبل أجهزة النظام ومليشياته القبلية والعقائدية التي كانت ومازالت تشاركه الزرع والحصاد .
تلك المطاردات والملاحقات التي وصلت حد ضربهم في مكاتب عملهم وغرف نومهم والتي أفضت إلى خطوات أخرى صعد فيها النظام هجمته الشرسة لمتابعة تنفيذ مخططه المعد مسبقا والذي كشف أبعاده لاحقا (الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في سياق مذكراته وهو الرجل المعروف بقربه وإخلاصه لصالح ومنظومة حكمه) ذلك المخطط الذي استدرج به نظام صنعاء أبناء الجنوب إلى فخ الوحدة المزعومة مستغلا أخلاصهم وصدق نواياهم .
وقد كانت أكثر تلك الخطوات ألتصعيديه جرأة وخطورة هي إعلان نظام صنعاء الحرب على الجنوب واجتياح أراضيه من خلال الخطاب الشهير لرئيس النظام في صنعاء الذي ألقاه في ميدان السبعين في 27/ابريل/1994م ذلك الإعلان الذي جاء كمحصله لاتفاقات شركاء الحكم إلى جانب المؤتمر الشعبي العام آنذاك بكل توجهاتهم العقائدية والقبلية والحزبية واستند إلى فتاوى علماء النظام آنذاك الذين أباحوا دم الجنوبيين ومالهم وعرضهم واعتبروا الجنوب وأهله غنيمة للغزاة الذين مازالوا ماضين في اغتنامهم بموجب تلك الفتاوى حتى اللحظة وقد كانت لهذه الجريمة تبعات لا أظن أن الزمن يستطيع أن يمحي آثارها من ذاكرة أبناء الجنوب تمثلت إلى جانب الإهانة التي لحقت بهم بعمليات الإقصاء لكوادر الجنوب العسكرية والمدنية, واستباحة الأراضي والثروات والتخريب لمحاولة إلغاء الهوية من خلال طمس المعالم التاريخية التي يرى الشماليون إنها تفسد مشروعهم في إظهار الجنوب وكأنه جزء تابع للشمال وتغيير الجغرافيا والعبث بالتوازنات والمكونات التي تشكل التركيبة السكانية من خلال تنظيم ومنهجة الهجرة من الشمال إلى الجنوب وخلق بؤر استيطان لهم في مناطق الجنوب في خطوة تهدف إلى إذابة العنصر الجنوبي وجعله اقليه تابعه استعدادا لما قد تحمله المراحل القادمة من استحقاقات , ولم يقف العبث الشمالي في الجنوب عند هذا الحد بل امتد ليدمر كل الانجازات الجنوبية من مصانع وموانئ ومؤسسات وشركات كانت ناجحة بحجة الخصخصة التي جعلت من أملاك الجنوبيون ملكيه خاصة للعائلة الحاكمة واجهتها (المؤسسة الاقتصادية العسكرية) هذه الأمور وغيرها أوصلت الجنوبيون إلى حقيقة واضحة لا تقبل التشكيك هي ان الشريك الشمالي قد أعلن عن بشاعة مخططه وأحتل الجنوب عسكريا ليصبح الجنوب تابعا للشمال وهو ما تطلب من الجنوبيين اتخاذ موقف للرد على عنجهية نظام صالح وعصابته فكان قرار فك الارتباط الذي أعلنه السيد علي سالم البيض في21/مايو/1994م ..!!
لقد شكل قرار فك الارتباط نقطة فارقه في مضمار حركة الرفض الجنوبية السلمية لكل الممارسات الأحتلالية لقوات الغزو الشمالي تصاعدت في وهجه وتواترت خطوات ثورة الاستقلال والحرية حتى وصلت إلى مستواها المعلن اليوم على الساحة الذي بات فيه الحراك الجنوبي السلمي يشكل رقما يصعب تجاهله أو تجاوزه ,وكان الخروج الكثيف الذي شهدنه مدن ومحافظات الجنوب وفي المقدمة منها العاصمة عدن احتفالا بهذه الذكرى وما سبقها بمثابة رسائل واضحة لكل من يعمل على إقصاء الحراك الجنوبي عن الساحة ويحاول الاستئثار بالدور الرائد لتبني القضية الجنوبية وفق أجندة من شاركوا في مراحل سابقه في ذبح الجنوب وأهله , كما أنها حملت تأكيدا جديدا للمشككين يظهر مدى إيمان أبناء الجنوب بعدالة قضيتهم ,ورسائل أخرى للنظام المتهالك وشركاءه في صفوف المعارضة ولسادتهم في الخارج من القائمين على إعداد المبادرات التي تتعمد تجاهل أهم قضيه أوصلت البلد إلى ما هي عليه اليوم وهي قضية الجنوب مفادها أن من يظن أن مفتاح الحل يكمن خارج حدود حلول القضية الجنوبية فهو لا يعدو كونه قارئ غير دقيق للمشهد السياسي ومرابي يريد الاستحواذ على ما في يدي غيره بما لا يملك !!!
أن أهم ما أريد أن اختتم به هذه العجالة هي الرسالة التي أرادت قواعد الحراك الجنوبي وكل أبناء الجنوب المشاركين في هذا الزخم الشعبي من مختلف المشارب إيصالها للقيادات الجنوبية في الداخل والخارج وهي أننا نحترم رمزيتكم وتاريخكم الطويل رغم ما اغترفتموه من أخطاء في حقنا كشعب جعل بعظمته وكرمه وسماحته من (التصالح والتسامح) بابا أغلق به حقبة طويلة من الأخطاء لا يريد لكم الوقوع مجددا في براثنها ويطالبكم بالتوحد وعدم إثارة الفرقة والبحث عن قواسم مشتركه تتجاوزون بها تبايناتكم التي يعتبرها صحية طالما لا تنعكس سلبا على وحدة الشارع الجنوبي ..
كما أنني ادعوا كل أبناء الجنوب إلى التعاطي العقلاني مع مخرجات اجتماع القاهرة الأخير واعتبارها لبنة في بناء الصرح الجنوبي القادم والعمل جميعا للتحضير للمؤتمر الوطني الجنوبي الذي دعي له في اجتماع القاهرة وحينها يتم طرح جميع وجهات النظر والبحث عن حلول توافقيه تختصر طريق معاناتنا وتجعلنا أكثر قربا من تحقيق هدفنا جميعا وهو الحرية والاستقلال والحياة الكريمة ... أن التجارب قد علمتنا أن التطرف أمر مقيت وغير مستحب في ظل تطور أدوات العمل النضالي وتعددها بل أن التطرف وسيله تفقد صاحب الحق حقه وتجعله رهنا لآفة الحقد والكراهية , فدعونا لا ننحر سلمية حراك أبنائنا التي بدءوها وهم على قناعة أنها الوسيلة المثلى التي ستوصلهم إلى غايتهم والتي أثبتت الأيام صحة اختيارهم لها وتعالوا نستعيد حقنا المسلوب بالعقل وبالعزيمة الثابتة وبالحوار الهادئ حتى يفرض الآخر خيارا آخر علينا وحينها سنكون أصحاب حق ولسنا عدوانيين ولا متطرفين إذا ما اتبعنا أسلوبا آخر غير سلمي لاستعادة حقنا (ومثل ما أسلفنا في مواضيع سابقه أن الحق لن يعيده الصوت العالي ولا الغلو والتطرف ولكنه سيعود بحنكة ودهاء أصحابه وتسلحهم بالصبر والبصيرة وقوة الحجة والإيمان بالحق ) .........