كلما تزايد نفوذ الجماعات المسلحة ارتفع معدل الخوف من انتشار القاعدة لدى الأوساط السياسية والإعلامية والمتابعين والمواطنين على حد سواء، وذلك لما تشكله تلك الجماعات من خطر على السكينة العامة وتهديد للسلم العام، والأخطر من ذلك أنها تشكل بيئة خصبة وآمنة لتنظيم القاعدة وخلاياه النائمة وعناصره غير النائمة، حتى وإن ظلت تلك المجاميع المسلحة تنفي صلتها وارتباطها بتنظيم القاعدة المعروف عالميا بمصدر الإرهاب في مختلف المناطق،
وما تشهده محافظة أبين منذ أسابيع ضاعف من تلك التخوفات سيما وأنها جاءت بعد أيام من تلويح الرئيس صالح بسقوط عدد من المحافظات في يد القاعدة، وهو ما جعل معارضي صالح يتهمونه بتسليم محافظة أبين للقاعدة لتقديم نفسه كشريك وحيد في الحرب على الإرهاب، وفي هذا إشارة واضحة مفادها أنه في حال سقط النظام فإن القاعدة ستصبح قوة ضاربة تهدد سلامة اليمن وأمن جيرانه،
الحكاية التي يصر بقايا النظام على الترويج لها أن القاعدة ستلتهم اليمن –خصوصا الجنوب- بمجرد زوال ما تبقى من النظام الذي يعرف كحليف رئيس للقاعدة مثلما يحلو له وصف نفسه بالشريك الرئيس في مكافحة الإرهاب، بيد أن مثل هذا الترويج يقابله الشارع السياسي بالسخرية والتكذيب، إذ المعروف أن عناصر القاعدة ظلوا لفترة طويلة يتلقون الدعم بطرق مباشرة وغير مباشرة من مراكز النفوذ المتعددة في السلطة، ولعل ما ذكره أبو الحسن المحضار الذي أدين بقتل السياح عام 98م في جلسات التحقيق معه بخصوص دعم السلطة لعناصر جهادية في الفترة (90-94م) ضمن الاتفاقات الثنائية على تصفية عناصر اشتراكية كان الأساس الذي حكم علاقة السلطة بخلايا الجهاد بمختلف أشكالها وأسمائها، وصولا لتلك التي صارت تعرف باسم القاعدة،
ولوحظ في الأيام الماضية ارتفاع أعداد القتلى من الجنود والمسلحين الذين يطلقون على أنفسهم "أنصار الشريعة" ، وعلى الرغم من التعتيم الذي تقوم به العناصر المسلحة على ضحاياهم إلا أن مصادر محلية تؤكد سقوط العشرات منهم قتلى وجرحى، ولا يزال الضحايا يتساقطون من الطرفين، كما شملت الحرب مواطنين لا علاقة لهم بالحرب التي تدور رحاها منذ حوالي شهر وجبهتها الرئيسية محافظة أبين وفي المقدمة زنجبار عاصمة المحافظة.
وقبل يومين وزع مسلحون في أبين بيانا قالت فيه العناصر المسلحة أنها ستبدأ ممارسة مهام السلطة المحلية في مديريات محافظة أبين، وبحسب البيان فقد حذرت تلك العناصر المواطنين مما وصفته "مغبة مخالفة النظم واللوائح التي ستعلن عنها".
و في بيانها الذي وزعته أمس السبت على عدد من المحال التجارية شددت الجماعات المسلحة على عدم بيع "المجلات والصحف الهابطة"، وحذرت المخالفين من العقاب الشديد، كما حذرت مما أسمته "نظام الربا"، وأكدت سعيها لإلغاء الضرائب والجمارك والتأمينات كونها من وجهن نظرها غير شرعية.
في حضرموت يشكل فرار عشرات المعتقلين ممن تتهمهم السلطة بالانتماء للقاعدة بداية غير مبشرة، وربما يعد مؤشرا دالا على خطورة ما يجري سيما وأن للسلطة سوابق غير بريئة فيما يتعلق بهروب سجناء القاعدة، كما حدث مع معتقلي الأمن السياسي في فبراير 2006م، وقبلهم فرار معتقلين محسوبين على القاعدة في محافظة عدن، وإذا ما باشرت عناصر القاعدة أو العناصر القريبة منها أعمالا عدوانية في حضرموت فإن ذلك من شأنه توسيع رقعة الفوضى التي تهدد الجميع.
وكان نائب الرئيس السابق علي سالم البيض قال إن كارثة إنسانية كبيرة تحدث اليوم، حيث نزحت آلاف الأسر من مدينة زنجبار هربا من جحيم الصراعات المسلحة، متهما أطراف القوى السياسية للسلطة الفعلية للنظام (اليمني) بالمشاركة في الصراع، وأضاف: حتى وان ظهرت على السطح في أشكال وصور أخرى كالجماعات الإسلامية المسلحة وغيرها من المليشيات العسكرية والأمنية والقبلية، فهي جميعها في آخر المطاف ليست سوى قوى تتسلح بإمكانيات الدولة وتنفذ مخططات أطراف الصراع فيها خدمة لأهداف وأغراض سياسية، لا يمكن تحقيقها إلا بهذه الوسائل الدنيئة التي تجعل من ارض الجنوب ساحة معارك لها وتجعل من المواطن الجنوبي الضحية الأولى لها .
وأشار الرئيس الجنوبي السابق في كلمة ألقاها على المجتمعين من أنصاره في بروكسل أمس السبت، إن انتشار الجماعات المسلحة وتوزيعها وفقا لهذا المخطط الخبيث على مختلف محافظات الجنوب يؤكد بشكل قاطع ان هذه الدولة التي تقوم بممارسة هذه اللعبة بمثل هذا الاستهتار بالأرواح البشرية البريئة وبمثل هذا الحد من الاستخفاف بالعقل البشري هي آخر من يمكنه التحدث عن محاربة الإرهاب، وتساءل البيض: كيف يمكن الاعتماد على قوى سياسية وعسكرية في محاربة الإرهاب وهي في حقيقة الأمر مصنع الإرهاب الحقيقي؟
من جهته أشار الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيس تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض إلى أن أكثر الوقائع خلال الفترة الماضية تشير إلى أن النظام أراد أن يقيم شراكته الدولية على أساس مكافحة الإرهاب، ولم يجد من عناصر أخرى تقدمه للعالم غير هذا العنصر. ولذلك فإنه وظف هذا الملف توظيفا ممتازا لصالح بقائه والاعتراف بدوره شريكا في عملية مكافحة الإرهاب. واليوم وبعد هذه المرحلة الطويلة من الشراكة والمراوغة والتوظيف من قبل النظام، علينا أن لا نستهين بوضع تنظيم القاعدة في اليمن، لأن الإرهاب آفة حقيقية من موروثات هذا النظام التي عبر عنها ذات يوم عندما قال إن اليمن قنبلة موقوتة، وكأن هذا النظام أمضى 33 سنة يعمل على صناعة هذه القنبلة الموقوتة.