شفيع العبد
يرقد حسن باعوم في إحدى المستشفيات في الصين لتلقي العلاج من أمراض خطيرة، رفقة ابنته الطبيبة سبأ، وإثنين من أولاده. وقد عادت زوجته قبل أسابيع إلى اليمن بعد أن رافقت شريك العم واطمأنت على نجاح العملية التي أخضع لها، وهي تمضي حالياً خواتم رمضان رفقة قريباتها فقط فالبيت الكبير بات خلواً من ابنيها فادي (36 سنة) وفواز (34 سنة)، فالأول معتقل في الأمن السياسي بالعاصمة منذ إبريل الماضي، والآخر اعتقل في 5 يوليو الماضي، ويقبع حالياً في السجن المركزي بالمكلا.
«أبو فادي بخير ويسلَّم على كل من يسأل عنه»، تقول أم فادي لـــ«النداء». وتؤكد أن شريك العمر «سيعود إن شاء الله متعافياً بعد انتهاء فترة العلاج».
«البيت ليس فيه رجال، فالهامة القوية (تقصد زوجها) يتعالج في الصين، وأبناؤه في السجون»، تصف أم فادي الحال في ظل الغياب القسري للأب بداعي المرض، ونجليها الكبيرين بداعي الاعتقال.
وإذ تشير إلي أنه لم يعد يوجد معها إلا طفل صغير عمره 9 سنوات ونساء، تتساءل: «ماذا يراقبون؟ هل الخوف أوصل الأمن إلى حد فرض رقابة على النساء؟». كانت تكشف عن رقابة يخضع لها بيت باعوم في المكلا، قبل أن تضيف: «يا ولدي المضايقات التي نتعرض لها كثيرة، حتى تلفون البيت يتعرض للتشويش، والفصل أحياناً».
رغم المحنة الممتدة التي تعيشها الأسرة، فإن الأمر الذي لم تطق «أم فادي» سماعه هو ما أخبره بها بعض المعارف عقب عودتها من الصين. قالت لـــ«النداء»: «عدت إلى البلد وأخبروني أن السلطة أصدرت توجيهات بإلقاء القبض على حسن وأولاده فور عودتهم من الخارج، باعتبارهم فارين من العدالة»، وعلقت: «هذه مهزلة» أبو فادي ما يهرب... أبو فادي يواجه، ونحن خرجنا من البلد عبر المطار بصورة شرعية وبجوازات سفر، كيف يقولوا فارين من العدالة؟». ثم كررت توصيف المشهد: «هذه مهزلة».
عادت أم فادي مجدداً إلى موضوع الرقابة على البيت. قالت: وجدت بيتنا مراقباً من بعض الجيران: من أصحاب دكان أمام البيت». كانت تشير إلى بعض الطارئين على الحي ممن لهم علاقة بالأمن. وبشأن الجيران عبرت عن استنكارها لتورطهم في عمل جاسوسي، قائلة: «حسن وأبناؤه يضحون من أجل حقوقكم، فكيف تتورطون في مراقبتهم وانتم جيرانهم وجنوبيون مثلهم؟».
في رحلتها مع شريك العمر، اعتادت أم فادي العيش وسط الأخطار، وفي سنوات الغياب التي أمضاها حسن باعوم في السجون الشرطية والوحدوية». تعلمت كيف تتحمل الأعباء وتواجه مترتبات غياب رب الأسرة.
وفي صيف 2008 عندما كان باعوم في معتقل الأمن السياسي في حالة صحية خطيرة، وشائعة وفاته تتردد في صنعاء وعدن وحضرموت، كان نجلها فواز باعوم يؤكد لـــ«النداء» أن والدته بخير، ومتماسكة، وتقدم لأبنائها مثالاً في الصبر والإيمان بعدالة القضية التي يناضل والدهم من أجلها.
والآن فإن فواز لم يعد موجوداً. لم يعد قادراً على الوفاء بواجبات الأخوة التي كان يؤديها قبل 5 يوليو 2009. تم حرمانه من متابعة الحالة الصحية لأخيه الأكبر فادي، وما عاد قادراً على مواصلة النقش في جدران المعتقلات والمحاكم من أجل فتح «ثغرة نور» تضيء حياة فادي المعزول في زنزانة داخل الأمن السياسي في العاصمة.
خلال العامين الماضيين تعرض حسن باعوم وأسرته لحملات دورية كانت تنتهي غالباً باعتقاله واعتقال أبنائه، أو ملاحقتهم أمنياً. وفي مطلع إبريل 2008 عندما اعتقل باعوم من منزل صديقه جمال عبادي في عدن، تم اعتقال نجله سالم أيضاً وبعد أيام اعتقل في المكلا فواز، بينما اختفي فادي لعدة أشهر بعد أن تصدر قائمة المطلوبين أمنياً في محافظة حضرموت.
لا شيء تبدل في الواقع، فينما يواصل حسن باعوم تلقي العلاج في الصين، يحتل نله الأكبر فادي موقع أبيه في زنزانة الأمن السياسي، ويتنقل فواز بين معتقلات المكلا، وتقول السلطات إن عمر وسالم مطلوبين للعدالة... العدالة التي لا تأتي أبداً، ولا يقبل الأمن إرسال رهائنه إلى ساحاتها في العاصمة أو حضرموت. مستفيداً -أي الأمن- من إدمان المنظمات الحقوقية والسياسية على إصدار بيانات لا يأبه لها أحد!.