ليس مستغرباً في هذا الزمن , إن يتنكر الكثير من الكتاب وأصحاب الفكر والرأي وحملة القلم , لأوطان تناضل من اجل حقوقها ويتجاهلون انتفاضات شعوب نهضت لاسترجاع حريتها واستعادت كرامتها وانتزاع استقلالها, ويديرون ظهورهم لأمم لها بصماتها في سجلات التاريخ ومساهماتها البارزة في انصع صفحاته , فنحن في زمن الضمائر المفروشة والذمم المخرومة .
زمن لم يعد فيه للحق معنى أو للعدالة قيمة , فالمصالح الشخصية فقط هي السائدة , وهي المعيار الوحيد الذي يحدد مسارات وتوجهات أرائهم , وهي المكيال الذي يكيل به هؤلاء المنحرفين مواقفهم بمقادير الربح والخسارة .
إلا إن هناك رجالا أصحاب مواقف ثابتة وكلمة حرة , يؤمنون بالعدالة ويذودون عن القيم الإنسانية , بضمائر حية تهتز من الباطل فتشهر بوجهه أقلام الحق لتمزق أشرعته وتنكس رايته وتمرق انفه بوحول العار , وترفع من شأن مبادئ الحق وترسخ صروح العدالة في زمن الحسابات الضيقة التي أثبتت الكثير من التجارب السابقة عقمها وفشلها وعواقبها الوخيمة على مختلف الأصعدة .
ومن هذه الأقلام الشريفة التي عملت وما زالت تعمل لانتصار إرادة الشعوب وانتزاع حقوقها التي كفلتها لها الشرائع السماوية وأقرتها الأعراف والقوانين الدولية , قلم الكاتب الكويتي حسن على كرم .. الذي انحاز لكل القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الجنوبية .
فقد حمل هم الجنوب والجنوبيين في ضميره وقلمه , كتب عن مآسي الجنوب ومعاناة شعبه , على أيدي نظام السفاح على صالح وبلاطجته , الذين يعيثون الفساد بأرض الجنوب , فقد انبرى الأستاذ حسن على كرم منذ احتلال الجنوب في / 7 / 7 / 1994م للذود عن الحق الجنوبي ومجابهة الباطل والعدواني اليمني , لم يجف لقلمه حبر أو يترنح له حرف , في زمن جف فيه حبر الأقلام , فتلوثت كلماتها بالتزوير وقلب الحقائق وتزيين الباطل , فاهتز ضميره وثار بركان قلمه ليدك بحممه أوكار الدبابير ويهدم أعشاش الغربان ومفارخ الخفافيش المستوطنة بالجنوب المحتل , ليحيل بكلماته المدوية أحلام المحتلين إلى كوابيس مزعجة وظلام حالك , ولعل ردات الفعل اليمنية المتكررة والمتشنجة على مقالاته لخير دليل على مدى تأثير حريقها وقوة مفعولها على نفسيات المحتلين الغزاة .
هذا هو الأستاذ القدير حسن علي كرم , الذي يحمل بجوارحه للجنوب حب لا ينضب وتقدير لا يوصف , ولا أخفيكم سرا لو قلت لكم إنني حاولت إن استعير الكثير من العبارات لوصف ذلك اللقاء الرائع بيننا, بعد إن أصر هو على الحضور إلى مقر عملي بمجرد إن أخبرته بالاتصال الهاتفي إنني من أبناء الجنوب وإنني احمل إليه تقدير واعتزاز كل شعب الجنوب وفي مقدمتهم فخامة الرئيس عل سالم البيض .
إثناء الحديث معه كان يبدو عليه التأثر الواضح والشعور بالمرارة من معانات شعب الجنوب العربي , من ما يعانيه من بطش وتنكيل على أيدي جلادي نظام صنعاء الدموي , وبتعليمات مباشرة من رئيس النظام اليمني على عبد الله صالح , كما لم يخفي انزعاجه الشديد من ما يتعرض له الجنوب من طمس للمعالم ومحو للهوية وإفساد للحياة وتهجين للثقافة وإخلال بالتركيبية السكانية من خلال عمليات منظمة وممنهجة للقضاء على كل ما يمت للجنوب بصلة ويميزه عن اليمن , ومن خلال تهجير الجنوبيين من وطنهم وتوطين اليمنيين بدلا عنهم , كما لم يخفي امتعاضه من بعض الخلافات التي تضفوا على السطح بين بعض القيادات الجنوبية , الذي تمنى إن ترتب أوراقها وتنظم صفوفها من اجل الهدف الأسمى ألا وهو تحرير الجنوب من الاحتلال اليمني , لم يكن يرغب بالتكريم قائلا إن مواقفي تنطلق من إحساسي وشعوري بما يعانيه الجنوب , وهو صورة طبق الأصل لما عاناه الكويتيين أثناء الغزو العراقي الصدامي لدولة الكويت , فهذه مسؤوليتي وهذه مبادئي وهذا ضميري , فقلت له إن أوسمة الدنيا قليلة عليك , ولكن هذا التكريم هو تعبير رمزي من شعب الجنوب وباسمه , فأبدى ارتياحه وعبر عن فرحته الكبيرة من إن يكون التكريم باسم شعب الجنوب الذي يكن له كل المحبة والتقدير.
كان كل حديثه وهمه عن كيفية الإسراع بتحرير الجنوب وعودته إلى أهله , متمنيا إن يتم ذلك بأسرع وقت ممكن , ولم يفوته الحديث عن العلاقات الجنوبية الكويتية رسميا وشعبيا والسمات والوشائج التي تتسم بها هذه العلاقات
*الكويت -بقلم :عارف اليافعي