لست متشائما على الإطلاق ولست ضد الثورة في اليمن باي حال من الأحوال بل اني متعاطفا معها رغم ان الكثير من قادتها يطالبون بحقهم - وهو شيء يجب ان ندعمه - ويقفوا ضد حقوق الآخرين وخاصة اخوانهم في الجنوب العربي المحتل فكل التصريحات والممارسات التي رصدناها مذ ان انفجرت الثورة في فبراير الماضي تشير إلى ان قادة الثورة وخاصة "الملتحون" و"الاشتراكيين" على حد سواء سيكونون أكثر ظلما لنا من نيرون اليمن -الرئيس علي عبدالله صالح- وسيجعلوننا نترحم عليه إن حكموا دون شك فقد ذاق اهل الجنوب ويلات الاشتراكي التي مازالوا يتذكروها ولن تنسى. اما وان يتحالف علينا "المتمركسيين" والطالبانيين " حزبي التآمر المشترك" فإننا امام جهنم بعينها.
حقيقة اجد نفسي في احيانا كثيرة أني اكتب حتى وإن كان في ذلك ما يتعارض ومصالح الحزب الذي انتمي إليه لكن حقي في التعبير عن رأيي والانتصار للحقيقة تنتصر بداخلي وتعلوا فوق كل الاعتبارات الأخرى.. لا اعني في ذلك ان ما اكتبه هو الحقيقة بل هو راي فقد اخطأ فيه وقد اصيب.
عندما اعلن "الأفندم" علي محسن الأحمر المعروف لدى الجنوبيين ب "علي كاتيوشا" انه انشق عن النظام وانه التحق بالثورة أيقنت حينها ان مرحلة التآمر على الثورة قد بدأت وقرأت الفاتحة بكل ثقة فكتبت مقالا ان كل الطرق تؤدي إلى "حاشد" لا غير.
وقّعت المبادرة الخليجية وبشروط الأفندم فعندما كانت الثورة على وشك ان تطبق فكيها علي عصابة صنعاء كان حينها "الشاووش" علي يستجدي اصحابه ويصرخ فيهم عندما بدوا وكأنهم قد استسلموا لقدرهم. قال لهم وعلى الهواء " كونوا سنّبوا " دعا كل اعضاء المؤتمر في القرى والمدن للتظاهر والمواجهة وقال لهم لماذا وقفتم موقف المتفرج. عندما التحق "علي كاتيوشا" بالثورة أمّن ان لا تتحول القطة الوديعة إلى نمر بمخالب وتركها تموء وتموء فقط.
المبادرة الخليجية بصيغتها الحالية قدمت للمعارضين للرئيس اقل بكثير من العروض التي كان قد قدمها الرئيس في بداية الأزمة وهو ما يعني ان الرئيس انتصر في معركته الطويلة واعاد ترتيب اوراقه وكسب ود المملكة العربية السعودية التي تملك 99% من اوراق الحل في اليمن وهي حقيقة شئنا ام ابينا, ولو كان الثوار حينها شكلوا ممثليهم للحوار مع الرئيس لربما كانوا انتزعوا اشياء مهمه منه.
عندما كنت اشاهد شباب الثورة وهم يصدحون على منبر "الجزيرة مباشر" ويجهرون بعدائهم للمملكة تذكرت أننا في الجنوب في سبعينيات القرن الماضي كنا قد تشبعنا بالشعار الذي غرسه في عقولنا الأمين العام للحزب عبدالفتاح إسماعيل ان السعودية هي "العدو التاريخي" وكنا نردد ليل ونهار " حزب اشتراكي معلمنا واحنا صواريخ نارية نرمي بها من يعادينا قابوس وإلا السعودية" ولم نردد أي شعار يدعو إلى التنمية والتمسك بتاريخنا وهويتنا وثقافتنا.
الشيء بالشيء يذكر لا ادري كيف فات الكثير من قادة الثورة في اليمن هذا الدرس البليغ الذي تعلمناه في الجنوب فقد اصبح اعضاء المكتب السياسي وقادته الميامين لذلك الحزب الذي نكب الجنوب متسولين في المملكة السعودية يعيشون على زكاة الفطرة واشخاص ليس لهم لا لون ولا طعم ولا رائحة.. هل ظن الثوار الذين امتطوا صهوة "الجزيرة" انهم في اروقة مجلس الأمن الدولي او في البيت الأبيض حتى يعلنوا عدائهم للسعودية ويمنحون الرئيس كل هذه القوة بعد ان كان في مهب الريح.. هذه المرة قطر لعبت دور المناكف للسعودية واغدقت على الثورة في اليمن حد انها اصابتها بالتخمة والترهل. منحتهم الفضاء فحلقوا دون اجنحة وكانت النتيجة وكتمت انين ونواح الجنوبيين فلربما كان هذا يقلق راحتها فهي معذورة.
لا غبار على ان ما شهدته اليمن خلال الأشهر العشرة الماضية هي ثورة بكل المقاييس, هي ثورة الشوافع التي تختزن بداخلها إرث طويل من الصبر والشعور بالظلم والضيم, ارث تاريخي يكمن بداخله شعور بالدونية جراء السحق والقمع الطويل المصحوب بالاحتقار والتمييز الذي مارسه ضدهم حكام الطائفة الزيدية على مدى قرون طويلة لكن الثورة فقدت اهم مقوماتها وهو ما أدى إلى سقوطها بهذا الشكل العمودي لأنها اعتمدت على مساعدات خصومها الحقيقين امثال شيوخ او بالأصح لصوص بيت الأحمر وعلي كاتيوشا, فقد كانت لهؤلاء اجندة لا تتعدى محاولة اعادة اقتسام الكعكة فيما بينهم داخل إطار السلطة الطائفية القبلية ولكن ان يقتسموها مع الثوار الشوافع فهذا خط احمر وبعيد المنال.
هكذا اخطأت الثورة في الحساب مرة اخرى وشهدنا كيف تكررت بنفس المقدمات وبنفس المألات لتجربة اغسطس 1968م .. الثورة في تعز الشوافع والسلطة في صنعاء الزيود..
انا ابرر للإخوة الثوار في اليمن اقصد الشوافع أحد اخطائهم ايضا فهم قد عاشوا ردحا من الزمن يكابدون العطش للحرية فتحولت البراري والسراب امامهم إلى مياه دافقة يركضون ورائها في رحلة ظنوا بها انهم بالعون القطري سيهزمون السعودية بالضربة القاضية, فكانت النتيجة التي نراها اليوم تسوية سياسية بين فرقاء الصراع -الذي كانت وقوده هم الثوار في تعز- بمبادرة سعودية يقبل بها شركاء الوهم في الثورة ويقف خلفها المجتمع الدولي تقابلها ثورة انكمشت إلى "خيمة نصبتها الجزيرة مباشر في صنعاء" كحصيلة للجهود السياسية والإعلامية والمالية القطرية .. وهي الحقيقة التي سكتت عنها اليوم السيدة توكّل كرمان. ومازال قلبي معكم ايها الثوار لأنكم أهل حق فهل تستعدوا لجولة ما بعد فشل التسوية ولكن بدون المشترك وبدون توكّل كرمان..
annaqeeb@yahoo.co.uk
*قيادي في المعارضة الجنوبية بالمنفى