عند اندلاع الثورة المصرية في كانون الثاني/ يناير 2011، اتصل وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن أليعازر بالرئيس المصري حسني مبارك سائلا إياه عن مدى مقدرة صموده أمام الهبة الشعبية الغاضبة في شوارع المحافظات المصرية، أجابه مبارك بكل ثقة أن مصر ليست لبنان الذي سقطت فيه حكومة سعد الحريري بدون سابق إنذار، ولا تونس التي أجبرت زين العابدين بن علي على الفرار من الغضب الشعبي التونسي، ولكن لم يصمد مبارك أمام لحمة الجيش والشعب واضطر للاستسلام. ذات المشهد تكرر مع الرئيس السوري بشار الأسد، حينما سئل من قبل صحافيين أجانب عن احتمالية انتقال عدوى الثورات من تونس ومصر إلى سورية، فأجاب الأسد ان سورية محصنة من الهبات الشعبية لأن النظام يعادي إسرائيل ولا يقيم الاتفاقيات معها.
فبعد انتقال العدوى غير المتوقعة من قبل نظام الأسد إلى سورية تتصاعد الأزمة السورية يوما بعد يوم، ولا نستبعد أن تصل الأمور في سورية لا قدر الله إلى ما وصلت الأمور عليه في ليبيا، حيث قد تندلع حرب أهلية بين جيش موال للأسد وثوار مسلحين يقاومون نظام الأسد، لكن المشكلة في سورية لا تكمن بهذه المواجهة المحتملة التي قد تندلع بين الشعب ونظام الأسد، على غرار مواجهة القذافي مع شعبه، إنما تكمن الأزمة في أن يتحول القطر السوري إلى أرضية صراع بين قوى إقليمية تتصارع في ما بينها في المنطقة على المستويين الإستراتيجي والأيديولوجي.
فمن يتابع الإعلام الممول سعوديا، خاصة قنوات وصال وصفا ودليل، وهذه القنوات تتمركز في العاصمة السعودية الرياض، نجد أن رجال الدين السعوديين وبعضهم مقربون من النظام كالشيخ يوسف الأحمد أو رجل الدين السوري الشيخ عدنان العرعور يحرضون على النظام في سورية، بل ويوصمون نظام الأسد بالكافر والواجب إسقاطه، وقبل ذلك كان هؤلاء العلماء يؤيدون دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين لإخماد الاحتجاجات فيها ومساعدة عائلة آل خليفة للسيطرة على الأوضاع مجددا، لسبب أن البحرين تواجه خطر المد الصفوي الإيراني، فما سر هذه السياسة الإعلامية الممولة سعوديا؟ يتلخص موقف الإعلام السعودي من أحداث البحرين وسورية بالنقاط التالية:
أولا: أن البحرين ورغم صغر مساحتها الجغرافية في منطقة الخليج، إلا أن التركيبة الديمغرافية والسكانية للبحرين تشكل تأثيرا خطيرا على الأمن والنظام في السعودية، بحيث أن الاحتجاجات التي اندلعت قامت بها الأغلبية الشيعية ضد حكم الأقلية السنية في البحرين، وهذا الحدث بحد ذاته أعطى محفز ضخما للشيعة السعوديين في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط للاحتجاج ضد نظام آل سعود، على الرغم من كونهم أقلية في المملكة.
ثانيا: أكاديميون ومفكرون خليجيون ومنهم الدكتور عبد الله النفيسي النائب السابق من دولة الكويت يعتبر أن البحرين والكويت تواجهان مدا صفويا يتمثل بأقلية شيعية معارضة مدعومة من النظام الإيراني، ويساهم بتغذية المد الصفوي في القطرين الخليجيين المحاذيين للسعودية معارضون شيعة لهم مقاعد في البرلمان وجمعيات سياسية، فيحاول هؤلاء المعارضون ترسيخ الهيمنة والمشروع الإيراني، من خلال مؤتمرات وقنوات فضائية تروج للفكر الصفوي لمصلحة تسريع التغلغل الإيراني في الخليج، وهذا يشكل خطرا محدقا بدول الخليج الصغيرة كقطر والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، ويتسبب في المدى القريب بمحاصرة السعودية من الداخل والخارج.
ثالثا: تتبادل كل من الجماعات الصفوية في الخليج والنظام السعودي اتهامات ترويج الفكر الديني المعادي لجماعت دينية مختلفة، فإيران والمعارضة الشيعية في منطقة الخليج ما تنفك من التحذير من المد الوهابي الذي يحكم به آل سعود في المملكة، بينما تتهم الجماعات السلفية في الكويت والبحرين جنبا إلى جنب مع النظام السعودي المعارضة الشيعية في الخليج وإيران بالترويج للمد الصفوي، وتطبيق بنود الخطة الخمسينية التي رسمها الخميني للسيطرة فكريا واجتماعيا وسياسيا على المنطقة، وحسب المراقبين فإن أولى خطوات الخطة الخمسينية تمت بنجاح من خلال الهيمنة الإيرانية على العراق، الذي كان كقوة عربية رصيدا ضخما في جعبة العمق الإستراتيجي الخليجي في صد المد الإيراني الصفوي، ولكن قصر النظر العربي من خلال التعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن بالإطاحة بنظام صدام حسين أوقع منطقة الخليج بالفخ الإيراني، وتم إهداء العراق للإيرانيين على طبق من خشب.
رابعا: من خلال الأحداث الحالية في البحرين، تستغل الجماعات الصفوية في البحرين الظلم الذي يقع على أبناء الطائفة الشيعية فيها، ومعاناتهم من التهميش السياسي والاقتصادي، ناهيك عن علاقات عائلة آل خليفة التطبيعية مع إسرائيل. ويبرز الخوف السعودي من جر البحرين إلى فتنة طائفية قد تتسبب بإسقاط عرش الحكم فيها وتصل اليد الإيرانية إلى البحرين من خلال المعارضة الصفوية التي تعطي كامل الولاء السياسي لإيران، وتقوم بخطف الطائفة الشيعية التي تطالب بمطالب إصلاحية مشروعة، كما طالبت الجماهير اليمنية والمصرية والتونسية أنظمتها بالإصلاح، فقد تدخل منطقة الخليج حينئذ في المرحلة الثانية من تنفيذ الخطة الخمسينية التي رسمها الخميني وكشف عنها محمد جواد لاريجاني.
خامسا: ترى النخبة السياسية والدينية السعودية أن السبيل الوحيد في صد المد الإيراني الزاحف في الخليج هو إسقاط النظام السوري الحليف الاستراتيجي لولاية الفقيه في إيران، إذ إن سورية تشكل جسرا إستراتيجيا بالنسبة لإيران يمتد من الأحزاب الشيعية العراقية الموالية لإيران إلى حزب الله في لبنان وحكومة حماس في غزة، التي لم تجد، أي حكومة حماس، دعما إلا من إيران بسبب التهميش والحصار العربي الإسرائيلي ضدها، فتصاعد الأحداث المؤلمة في سورية سيشكل مصدر إزعاج وإحراج لحزب الله في لبنان، الذي له رصيد شعبي ضخم عند السوريين، ويقف الحزب وإعلامه من خلال شاشة المنار داعما للنظام السوري وناقلا لوجهة نظر النظام السوري في تبريره للأحداث الدموية بحجة إرهابيين ومخربين ينتشرون في أحياء ومدن سورية، فإذا فقد الحزب اللبناني شعبيته عند الشعب السوري أثناء الثورة ضد نظام الأسد أو بعد إسقاطه فإن المعادلة الإستراتيجة في المنطقة ستتغير بالكامل. والنظام الإيراني بدوره لن يقبل أو يسمح بخسارة حليف إستراتيجي ووثيق في العمق العربي كنظام الأسد، سواء واجه هذا النظام حربا خارجية من إسرائيل أو واجه تمردا شعبيا داخليا وسيقدم له كامل وسائل الدعم والصمود للبقاء.
سادسا: في حال الخسارة الإيرانية في سورية فإن الجماعات السياسية والشعبية المناوئة لإيران في العراق قد تتحفز للانتفاضة ضد الهيمنة الإيرانية في العراق متمثلة بحكومة المالكي والميليشيات المسلحة بشكل أكبر من الانتفاضة التي نشهدها حاليا في العراق، فانكسار الشوكة الإيرانية في العراق تعد حاليا مصلحة سعودية عليا لحماية الخليج من المد الصفوي.
أخيرا، لا نتمنى أن تصبح سورية ساحة صراعات خارجية بعد الانتفاضة الشعبية ضد النظام في سورية، فهذا الصراع قد يحرف الانتفاضة عن أهدافها كما حدث للثورة الليبية ضد نظام القذافي، ويدخل المنطقة بنفق مظلم يتمثل بأتون حرب سياسية طائفية كبرى في المنطقة ويدخل الشعب السوري ضحية صراعات لا حدود لها، لأن سورية هي ميزان ومفتاح الاستقرار في المنطقة، خاصة أن سورية مستهدفة أمريكيا وإسرائيليا، وعدم استقرارها حتما سيزيد من الأزمة السياسية في لبنان بين قوى 14 آذار المعارضة لسورية وحزب الله وحلفائه.
فادي محمود - كندا