يحْضُر الموت بكثافة في أبين ، في جحيم المعارك والطيران ، وتُزْهق أرواح الابرياء دون حساب ... لا احدٌ يَعُدُّ ولا احد يحصي الموتى ولا شي ياتي سوى نداءات من الخارج .
تتوغل الحرب الى وسط المدن والقرى ويتمترس الموت في الجبال والأودية وفي الثكنات ، وتسرح الطائرات (الوطنيه) والخارجيه في السماء المفتوحه بأقصى ما ينبغي ان تكون عليه حرب جويه بلا حدود ، لكن لا احد يرصد او يراقب او يغيث من يستجير من الموت .
الشعب مقيد بالوضع العائم على صهارة ملتهبة بالصراع والغموض والفقر والشمس الصيفيه ...
ووحدها أبين تقف على طرف بعيد المنال من أجندات الدولة والشعب والمعارضات الواسعة الطيف .. وابين بعيدة عن التكتلات الجديدة والقديمة وعن المشاريع السياسيه في الجنوب ، متروكة للموت والتهجير الداخلي.
تعلو كل يوم نداءات اللجنة الدوليه للصليب الاحمر لأطراف الحرب : ان يفسحوا مجالا انسانيا لمساعدة الجرحى والمصابين ، وإيواء من تفجرت سقوفهم واسودت سماواتهم بالدخان .. دون ان يلتفت احد .
كتابات في صحف الدنيا البعيده حول الوضع الإنساني هناك ، فيما الاعلام المحلي مثقل بويلات الصراع والخطب والمشاريع ومراكز القهر وكل فنون التخبط السياسي الفاضح ، وكأن ابين جزء من قارة بعيده لا يربطها بنا سوى اخبار الطائرات التي تصرخ فوق تضاريس كانت الى عهد قريب شكلا لأرض تربط الجهات بالجهات وتقود مدناً نحو المدن.
جعار (الوقورة ) ملفعة بالخوف وما بقي من اهلها يقاربون نهايتهم تدريجيا ، اما بالموت او الفرار الى الضياع والعوز والمهانه وكذلك زنجبار العاصمه التي لطالما كانت تضخ موجات الدفئ العذب لسكان الجنوب من خلال ثقافتها المدنيه المتفتحه على الحياه والحانها العذبة واهلها البسطاء ومساهماتهم الكبيره في كل المجالات الحيويه ، كذلك لودر الابيه الصامده سيدة البريه التي تربط مناطق كثيره ، وكل ابين المدمَّره نفسيا الان تغيب خلف الصمت .. وأي صمت .
لقد حلَّ بهذه المحافظه الرائعه أغرب ما يمكن وصفه في تداعيات البلد... حيث تقاطرت كل آليات الدمار والتوحش وانسحبت كتائب حامي الحمى تاركة وقودها وذخائرها، وتكاثفت حملات الطيران .. وتبخرت اليوميات العاديه للبشر ،
الان لا احد يعلم حقائق كثيره عن القتلى والجرحى هناك ، وعن حقيقة الوضع العسكري سوى أخبار عاجله تقطع بها بعض الوسائل الاعلاميه طريقة ظهورها اليومي وتعلن عن نبأ ما دون تفاصيل.
وهناك تداولات تظهر على الصحافة الاجنبيه حول الطائرات( ذاتية القياده ) وأحدث وسيلة يُعتمد عليها لملاحقة الافراد المستهدفين وقتلهم ، ومن حولهم من المدنيين والأخيرة هي مثار الجدل في الاعلام الخارجي ، والأخيرة هي المسكوت عنها محليا والأخيرة هي من يُنْكر العِلْمَ بها أي مسئولٌ في صنعاء وهي جزء من المأساه ، حيث اصبحت مصدر رعب للسكان ، ربما اكثر من الرعب الذي أشعله من يضعون ابين تحت قبضتهم ومن يتخذهم العالم كفزاعة كبرى ربما اشد من اي فزاعة اخرى.
كانت هناك توقعات على الاقل من ابناء الجنوب لتكوين تجمعات شعبيه ناشطه بشكل مستمر ، مناصرة لأبناء ابين والوقوف معهم في هذه المحنه وإظهار تضامن واسع بوسائل مختلفه لإجبار الطبقات السياسيه للتعامل مع هذا الامر بأكثر جديه ودعوة العالم من خلال منظماته لتكثيف جهودها ومساعدتها رغم الصعوبات التي تواجهها.. وكذلك كشف كثير من الخلفيات الغامضه .
اننا امام حاله تاريخيه فريده تتطلب عدم السكوت ، وتفرض على الجميع بذل جهود كبيره للكشف عن حقائق الموت والدمار ، وتصعيد المواقف الرافضه للقتل والتشريد باسم الدين وكشف التخاذل الرسمي وكذلك قتل المدنيين بالطائرات تحت اي مبرر كان.
أبين مرة اخرى لا يجب ان تكون بعيده لانها كلما تبتعد سوف نبتعد عن تحقيق اي شئ على الارض .
