إعداد الأستاذ رياض عطية
ماجستير في أصول الفقه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائد العظيم، الذي أرسى قواعد القيادة الفذة، فصنع بها أمة هي من خير الأمم، وصنع بهذه القيادة أيضاً رجالاً لا نظير لهم في الأمم، بل لقد انقطعت أرحام النساء أن تلد أمثالهم.
إنها مهمة القائد، الذي يجمع شتات أمته ليجعل منها قوة ضاربة في الأرض وليرتفع بهمة مرؤوسيه الضعيفة ليعلي شأنها، وقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم مهمة القائد وذلك عندما خاطب الأنصار عقب غزوة حنين وبعد توزيع الغنائم فقد أخرج البخاري رحمه الله تعالى عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقــَالَ: « يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي». كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ[1].
إذن ما قدمه النبي عليه الصلاة والسلام للأنصار بينه في قوله على الترتيب:
1- أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي.
2- وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي.
3- وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي.
ثم بعد ذلك أعطاهم أعطية لهي أغلى عليهم من أرواحهم، ألا وهي قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث نفسه: « أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ، لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى عَلَى الْحَوْضِ»[1].
إذن يمكننا أن نستخلص من هذا الحديث المبارك مهمة القائد الناجح: وهي
1- أن يهييء ظروف السلامة الدينية لأمته، من نشر لوسائل الهداية وطمس لوسائل الغواية.
2- أن بذل الجهد في تجميع الأمة على قلب رجل واحد، ورفع مصلحة المجتمع فوق مصلحة الأفراد، مع الأخذ بعين الاعتبار تعويض الفرد عن مصلحته بما يرضي الله تعالى.
3- أن يغني أمته بكل ما يحتاجون، وليكن مَثَلُه في ذلك أميـر المؤمنيـن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه أنس رضي الله عنه قال:" كانت بطن عمر تقرقر عام الرماد من أكل الزيت، وكان قد حرم على نفسه السمن، قال: فكان ينقر بطنه بأصبعـه ويقول قرقري أو لا تقرقري فوالله لا تأكلي السمن حتى يأكله الناس"[2].
وبذلك يضع الله تعالى له المحبة في قلوب أمته، وأقصد المحبة الصادقة، التي تدفعهم إلى الموت فداءً لقائدهم، يذكرنا هذا بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سئل كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (والله إن رسول الله كان أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وفلذات أكبادنا، وكان أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ)، ويذكرنا ذلك أيضاً بقول أبي سفيان رضي الله عنه عندما كان زعيماً لقريش بكلمته المشهورة: ( والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد لمحمـد) وقد قال هذه الكلمة عندما جيء بزيد بن الدثنة رضي الله عنه أسيراً ليقتل، فقال له أبو سفيان: أناشدك الله يا زيد أتحب أن تعود معافى لأهلك وولدك، وأن يؤتى بمحمد هنا في مكانك ليقتل، فغضب زيد أشد الغضب وقال: (والله ما أحب أن أرجع سالماً لأهلي وأن يشاك محمد بشوكة في أصبعه) فكانت كلماته هذه عنصر إلهام للشعراء بعد ذلك:
قال الشاعر:
أسرت قريش مسلماً في غزوة فمضى بلا وَجَلٍ إلى السياف
سألوه هل يرضيك أنك آمـن ولك النبي فدى من الإجحاف
فأجاب كلا لا سلمتُ من الأذى ويصـاب أنف محمد برعاف
ويذكرنا ذلك أيضاً بقول عروة بن مسعود عندما قال لقريش بعد عودته من مفاوضة النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية قال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدوا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له[3].
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ:« لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ »[4].
مهارات القائد:
بجانب أن المدير يجب أن تتوافر لديه صفات الاتصال الفعّال, فهذا لا يكفيه, بل إن هناك أيضًا بعض المهارات يجب أن تتوافر فيه فمنها:
1-المهارات التصورية:
وهي مهارات ضرورية في تخطيط العمل وتوجيهه وترتيب الأولويات والتنبؤ بما سيكون عليه العمل في المستقبل، وتتمثل في القدرة على ابتكار الأفكار والإحساس بالمشكلات وصياغة الحلول، والتوصل إلى الآراء وربط الأسباب بالمسببات.
2-المهارات التنظيمية:
وتتضمن معرفة النظريات التنظيمية والتطوير التنظيمي والاستعانة بها لتفسير الظواهر الإدارية والتنبؤ باحتياجات التنظيم المستقبلي.
3-المهارة السياسية:
وتتوفر حينما يكون لدى القائد الإداري الرؤية الشاملة للبيئة المحيطة بالمنظمة الإدارية التي يعمل بها من جميع النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومعرفة الفلسفة السياسية للدولة، واتجاهات الرأي العام في المجال الذي يعمل فيه.
4-المهارة الفكرية:
وتعني قدرة القائد على الحكم على الأمور بشكل سليم، واتخاذ القرارات المناسبة، وعلاج الأمور والمشكلات بالشكل المطلوب والمناسب.
5-المهارات الإدراكية:
وتعني قدرة القائد على رؤية التنظيم الذي يقوده، وفهمه للترابط بين أجزائه ونشاطاته، وأثر التغيرات التي تحدث في أي جزء منه على بقية أجزائه، وعلاقات التنظيم بالمجتمع الذي يعمل في إطاره.
وأخيراً: ننصحك بهذه النصائح:
1- عبر عن اهتمامك بمن حولك:
دعهم يعرفون أنك مهتم بهم, عبَّر عن ذلك بنظراتك أو بحركاتك, أو بأي شكل آخر, دعهم يدركون بأنك مخلص لهم.
2-كن ودودًا:
عندما تقول (السلام عليكم), قلها بصدق, وعندما تسأل (كيف الحال؟) اسأل باهتمام وعمق، وابتسم وانظر في عيون الناس.
3-ارفع من شأن الآخرين:
فالعمل المنجز على خير وجه يستحق الإشادة, وحتى إنجاز جزء من العمل على الوجه المطلوب, يمكن أن يسترعي الانتباه والإطراء أحيانًا، وإن المدح لن يكلفك شيئًا, ولكنه سيعود عليك بمكاسب جمة وغير متوقعة.
4-اعترف بأخطائك:
إن هذا الاعتراف دليل على القوة المرونة, وليس كعلامة على الضعف والليونة.
5-لا تقحم (الأنا) في كل شيء:
أقلع عن استخدام كلمات (أنا، ونفسي، ولي) ليوم واحد فقط, ستجد في هذا الإقلاع تجربة مذهلة في ضبط النفس, وهي تجربة قد تتمخض عن إعادة اكتشافك لنفسك, وإدراك عيوب وحسنات لم تكن لتشك بوجودها على الإطلاق.
فهذا دليل من واقعنا رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية كقائد فنظر إلى هذه الصور