جزء من تكوين الوعي وإيصال الرسالة الصحيحة ومضمونها بشكل واضح وجلي ، ليس لجماهير شعب الجنوب فهو يعرف قضيته تماما ويعرف هدفه ، وإنما للشعوب العربية و الشعوب والمنظمات الإنسانية والمدنية للعالم الحر والضمير الإنساني ، نقول جزء من هذا الوعي هو الاسم الذي يعطى العنوان الحقيقي للقضية الجنوبية وان هناك قضية وفى ذات الوقت الهدف الذي تطمح هذه القضية لتحقيقه .
اسم " حراك " ارتبط بمرحلة التأسيس الأولى عندما كان باديا على صفحة الواقع الزائف ان الجنوبيين مازالوا منقسمين على أنفسهم ويسكت بعضهم بعضا ولذلك كانت المطالبات قاصرة على مجرد احتجاج على حقوق سلبت فاتخذت اسما متواضعا تواضع مطالبها يدل على حقيقة وضعها آنذاك ، ولا يعنى هذا إطلاقا الغض من أهميتها فقد كانت خطوة مهمة وليدة مرحلتها ونقب مهم فى جدار الخوف والصمت .
كان الحراك بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكدة في الجنوب وكشف ان انقسام الجنوبيين فى 1994 الذي مكن للاحتلال اليمنى من اجتياح الجنوب ان ذلك الانقسام وتلك التناقضات ومرحلة تصفية الحسابات الجنوبية – الجنوبية قد انتهت وولت وان الجميع سقطوا ضحية مؤامرة دنيئة وان الجنوب كجنوب أرضا وإنسانا فى خطر داهم ان استمرت الأوضاع على ما هي عليه ان لم يتحرك احد .
كان الحراك الجنوبي بمثابة زخات بسيطة على صحراء متعطشة شرهة للمزيد من مياه الكرامة التي تبعث الحياة فى أوصال الجنوب وجسده المثخن بسهام الغدر ، هذه القطرات أثارات تصدعات فى تلك القشرة السامة التي أراد الاحتلال ان يطمر بها الجنوب وبذور العزة والكرامة فى أرضه و فى نفوس أبنائه .
كشف الحراك عن المعدن الحقيقي للجنوب الذي صهرته الأحداث والمؤامرات الخبيثة وفرزت عنه خَبَث الأهداف الحقيقة لعقلية الاحتلال المنغمسة في المؤامرات والمكائد على مر تاريخها .
ان ذلك الجدول الصغير الذي سمي حراكا بعد ان رفدته جداول الجنوب من كل حدب وصوب وأصبح نهرا هادرا يجرى فى مساراته الطبيعية الى مصبه الطبيعي " الاستقلال والعز الكرامة " ، واتى على سدود الاحتلال هذا النهر يجب الا يبقى تحت ذلك الاسم فهو مسمى يتطلب اسما يليق به ويدل على مضمونه ووجهته .
ان التشبث بهذا الاسم يدل على أمر مهم يجب التنبه اليه وهو عدم السرعة والمرونة الكافية فى التأقلم مع الأحداث والبقاء بشكل ما من الأشكال فى ارتباط ما بالماضي وان كان على شكل أسماء ، صحيح ان من يعمل فى الميدان ليس كمن يكتب على صفحات الورق ومن يتأقلم فى الواقع بفعله ليس كمن يتأقلم بعقله ، لكن صحيح أيضا ان التأقلم العقلي قد يسبق ويمهد للعمل وان زوايا النظر تختلف وعلى القادة الميدانيين والسياسيين ان لا يغفلوا وجهة نظر وما النقد الا لتلافى القصور .
لم يعد اسم الحراك يصلح لهذه المرحلة ، فالوليد الصغير يجب الا يكون اسما للمارد الكبير ، واذا عرفنا العالم باننا ذلك الوليد الصغير يجب ان يعرفوا اليوم الحقيقة وهى ان هناك " حركة تحرر جنوبية " ، ليس من الصائب إطلاقا التمسك باسم كان وليد مرحلته وظروفه لنطلقه على مرحلة مهمة فى النضال الجنوبي ، ان مسمى حراك له إيحاء سياسي يتناقض مع واقع الحال ، يوحى هذا الاسم وكأننا نوع من المعارضة لا اقل ولا أكثر ، وهذا خطأ سياسي – فى نظري – كبير يجب تلافيه فى أسرع وقت ممكن ، انه دمغة تفرغ القضية الجنوبية من مضمونها او تفتح الباب لذلك .
نقطة مهمة أخرى وهى ان للأسماء اثر معنوي ونفسي يجب عدم إغفاله ، فإذا كان اسم " حراك" له إيحاء سياسي معين فأيضا يجب التنبه إلى إيحاءه النفسي الخفي والسلبي ، فعندما يتحرك الإنسان او يكتب او يمارس العمل السياسي تحت مسمى " حراك " تختلف معنوياته عندما يتحرك او يكتب او يمارس العمل السياسي تحت راية " حركة تحرر " ثم ان " حركة التحرر الوطني " ستكشف نوع تفاعل العالم مع الجنوبيين الذين لديهم حركة تحرر وطنى ، فان نوع التفاعل سيدل على الاحترام والاعتراف بهذه الحركة ام لا ، وتحت هذا المسمى نستطيع ان نعرف بكل سهولة ويسر من يحترم قضيتنا ممن لا يعيرها وزنا .
ثم عندما نتحرك تحت اسم " الحراك " الذي لا يدل على قضيتنا ولا يدل على الواقع الجنوبي انما نعطى المبرر لهلامية مواقف الآخرين من قضيتنا ونضيع فى تفاصيل تافهة ونسقط فى ردود الفعل وإيضاح الواضحات ، ونعطى ثغرة لكافة التحليلات الخبيثة التي تبثها وسائل إعلام لا تقف موقفا مشرفا من قضيتنا ونعطى مبرر لتوصيف حركة التحرر الجنوبية بأنها حراك عبارة عن خليط من أشخاص أصحاب أهداف مختلفة تضم من يؤمنون بمشاريع مختلفة غير مُتفق عليها ، اى أننا نساهم بأنفسنا فى الدعاية المضادة وحملة التشويه وتفريغ القضية من مضمونها ، ونعود ونؤكد مرة أخرى ان هذا التشويه اما الرأي العام العربي والعالمي وليس لشعب الجنوبي .
ثم هناك نقطة مهمة وهى ان هذا الاسم يفتح الباب لان يتم ضم الى الحركة من ليس منها تحت دعوى " حراك " ، ان القضية الجنوبية بحاجة الى الوضوح التام ، رغم انها واضحة ومعروفة المطالب لدى الشعب الجنوبي ، أننا بحاجة الى الوضوح التام فى كل شيء حتى في الأسماء ، لنقطع الطريق على هواة راكبي الأمواج وهواة الشحن والتفريغ واللصوص وفناني التشويه من العمل فى الظلال والزوايا المظلمة .