نقلا عن صحيفة الوسط
د. محمد حيدره مســـــــدوس
إن القاعدة العامة للسياسة المتعارف عليها دولياً تقول إن النقيض السياسي للسلطة هي المعارضة ، و إن النقيض السياسي للمعارضة هي السلطة . و لكن الاتفاق بين السلطة و اللقاء المشترك يقول بأن رئيس الدوله الذي هو رأس السلطه راعياً للحوار . و في هذه الحاله مع من الحوار و ما هو هدفه ؟؟؟ . و لهذا فإنني أطلب من الجنوبيين في الحوار و بالذات الجنوبيين التابعين للقاء المشترك أن يفهموا بان الهدف من الحوار هو دفن القضية الجنوبية . فلو كان الأمر على غير ذلك منذ بداية الحوار بينهما بعد حرب 1994م ، لما قََبِل مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة سابقا و اللقاء المشترك لاحقا بان يكون الرئيس راعيا للحوار و هو طرف فيه ، و لما قبل الطرفان فشل الحوار المتكرر منذ 15 سنه . و لذلك و لمزيد من التوضيح فإنني اطلب من الجنوبيين التابعين للقاء المشترك في الحوار بأن يفكروا تماما في السؤال التالي ، و هو : إذا ما أنسحبوا من الحوار مثل الحوثيين هل سيستمر الحوار كما أستمر بعد إنسحاب الحوثيين أم إنه سيتوقف ؟؟؟ . فإذا كانت الإجابة بنعم فهذا كافي لإقناعهم بأن الهدف من الحوار هو دفن القضية الجنوبية .
إن أصحاب السلطه و اللقاء المشترك مازالوا حتى الآن يصرون على واحديه اليمن الجنوبية و اليمن الشمالية و على واحديه تاريخيهما و ثورتيهيما خلافاً لما كان عليه في الواقع و لما هو موثق في المنظمات الدولية . و هذا يعني بأن هذا الإصرار هو إصراراً على طمس الهوية و التاريخ السياسي للجنوب لصالح الشمال و دفن قضيته ، و إلاَّ كيف يمكن حلها بدون مفهوم الشمال و الجنوب لحلها ؟؟؟ . و هل يعقل أن تٌحل عبر حوار وطني شامل و هي قضيه بين طرفين و ليست بين أكثر من طرفين ؟؟؟ . فهم منذ البداية يستخفون بقضية شعب كان دوله ذات سيادة ، و يستخفون أكثر بكرامة الجنوبيين التابعين لهم . حيث لم يتركوا لهم غير ما يعيبهم أمام أهلهم في الجنوب . فعلى سبيل المثال عندما يبحثون القضية الجنوبيه في الحوار كما يقولون ، هل السلطه تريد من الجنوبيين التابعين لها في الحوار أن يقفوا ضد قضية وطنهم و بأي وجه يمكن لهم أن يقفوا ضدها ؟؟؟ . و هل اللقاء المشترك يريد من الجنوبيين التابعين له في الحوار يمثلوها و بأي وجه يمكن لهم أن يمثلوها ؟؟؟ . أمَّا إذا كانوا جميعهم يريدون بحثها دون تمثيل لها ، فهذا دفن واضح لها ، و إلاَّ بأي منطق لم يكن ذلك دفناً لها ؟؟؟ .
إنه بدلاً عن هذه اللعبه السياسية القذرة كلها ، فإنني أقتصر الطريق للجميع ، و أقول للجميع إن كانت الوحدة موجودة فليست هناك قضيه جنوبيه ، و إن كانت غير موجودة فليست هناك وحده . هكذا يقول المنطق و هكذا بالضرورة . فقد كنت أتمنى أن لا أرى أخي و صديقي عبدربه منصور هادي يلقي كلمه في لجنة الحوار المشتركة بإسم السلطه ، و هو يعلم و جميع الحاضرين يعلمون بما في ذلك الدبلوماسيون إنه لم يكن صانع قرار في السلطه و لم يكن أفضل ما فيها و إنما فقط لأنه جنوبي . و كنت أتمنى ايضاً أن لا أرى ولدي و تلميذي عيدروس النقيب يلقي كلمه بإسم اللقاء المشترك ، و هو يعلم و الحاضرون يعلمون بأنه لم يكن صانع قرار في اللقاء المشترك و لم يكن أفضل ما فيه و إنما فقط لأنه جنوبي . و الأكثر من ذلك إن كلا من السلطه و اللقاء المشترك أختار جنوبيا لرئاسة فريقه . و بالتالي ألم يكن ذلك ضحكاً عليهم و استخفاف بكرامتهم أمام أهلهم في الجنوب و أمام العالم ؟؟؟ . فنحن نعرف بأن هذا الحوار هو محاوله استباقيه للحوار الشرعي و الحقيقي بين الشمال و الجنوب الذي يتطلبه واقع العلاقة المؤلمة بينهما منذ حرب 1994م و الذي تطالب به القوى الدولية و الأقليميه منذ أن أصدرت قراريها أثناء الحرب . و لكنني على يقين بان هذه المحاوله هي محاوله استباقيه فاشله للأسباب التاليه:
أولاً : إن الأزمة السياسية في البلد هي أزمة الوحدة التي أسقطتها الحرب و حولتها إلى أسوأ من الإحتلال ، و أعتقد أن أصحاب السلطه و اللقاء المشترك أصبحوا الآن يدركون ذلك و يدركون بأن القضية الجنوبيه هي أم القضايا كلها ، و لكنهم يسعون إلى حلها ضمنياً بما يسمح لهم بدفنها إلى الأبد ، غير أن الواقع يقول بأنه يستحيل إيجاد أي حل شرعي لها إلاّ بالحوار بين طرفيها اللذان هما : الشمال و الجنوب . فليست هناك موجبات موضوعيه لأي حوار سياسي إلاّ مع الجنوبيين حول القضية الجنوبيه . و لذلك فإن الحوار الوطني الشامل هو كلام فارغ و لا معنى له .
ثانياً: أن المتحاورين لم يحددوا مسبقاً مواضيع الحوار ، لأن تحديد مواضيع الحوار مسبقاً يحدد أطرافها ، و هذا ما سيكشف الهدف الخفي من الحوار . و لكننا نقول لهم حتى و إن أنطلقوا من العكس و قالوا أن المتحاورين هم الذين يحددون مواضيع الحوار أثناء الحوار كما يقولون ، فإنهم لا يستطيعون بحث القضية الجنوبيه بدون حاملها السياسي الذي هو الحراك الوطني السلمي الجنوبي و قياداته في الداخل و الخارج ، و بالذات الرئيس علي سالم البيض الذي أعلن الوحدة مع الشمال ، و الرئيس علي ناصر محمد ، و الرئيس حيدر أبو بكر العطاس ، و غيرهم الكثير من القيادات السياسية الجنوبيه التي تشترط الإعتراف بالقضيه الجنوبيه و الجلوس للحوار من أجل حلها وفقاً للشرعيه الدولية بموجب قراري مجلس الأمن الدولي أثناء الحرب و تعهّد صنعاء للمجتمع الدولي بعد الحرب ، أو وفقاً للشرعيه الشعبية بموجب إستفتاء شعب الجنوب على تقرير مصيره . و بالتالي على ماذا يمكن لهم أن يتحاوروا غير الانتخابات ؟؟؟ . و حتى الانتخابات اذا ما تحاوروا حولها أين سيجرونها ، لأن الجنوب بيد الحراك ، و شمال الشمال بيد الحوثيين . و هذا يعني بأن المتحاورين لم يعد يمثلون غير سكان محافظة صنعاء و اليمن الأسفل من الشمال الذين ليست لهم مشكله غير الانتخابات . فقد ظلوا يتحاورون حولها منذ حرب 1994م و مازالوا يتحاورون ، و لكنهم لم يفعلوا غير ضياع الوقت ليكبر الإنفجار . و لولا القوى الدوليه و دول الجوار و بالذات السعودية لكان تصومل اليمن ، لأن مصالح القوى الدوليه و دول الجوار تتطلب الحفاظ على اليمن من الصومله . أمَّا أصحاب السلطه و المعارضة فلم و لن يمنعوا الصومله من اليمن بكل تأكيد مهما أدَّعوا ذلك . و في إعتقادي بان هناك نوعين من تنظيم القاعده في اليمن ، أحدهما تابع للأجهزة الامنيه و يستهدف ما تبقى من الجنوبيين في الاجهزه الامنيه و العسكريه و بالذات المتعاطفين مع الحراك ، و هناك ما يعزز هذا الإعتقاد ، و هو أن هناك بندا شبه ثابت في التحقيق مع المعتقلين ، و هو علاقتهم بالجنوبيين في أجهزة الدوله ، و سوف يشمل هذا الاستهداف كل السياسيين الجنوبيين مستقبلاً ، و الآخر تابع للخارج و يستهدف ما يؤذي النظام و المصالح الاجنبيه في اليمن .
ثالثاً: إنه ليس أمام المتحاورين غير أن يخرجوا بتوصيات للسلطة بالحوار مع الجنوبيين لحل القضيه الجنوبيه ، و بالحوار مع الحوثيين لحل مشكلة صعده إن كانوا صادقين مع الوطن . فالقضية الجنوبيه قضية أرض و ثروة تم نهبهما و قضية هوية و تاريخ تم طمسهما لصالح الشمال ، و هي لذلك قضية وطن و هوية بإمتياز . و بالتالي فإنه يستحيل حلها إلا بالحوار بين طرفيها اللذان هما : الشمال و الجنوب ، و من يقل بغير ذلك من الجنوبيين في الحوار هو ضدها و سيدخل التاريخ كخائن لها بالضروره . كما إن مشكلة صعده قد أصبحت مشكله مذهبيه و سلاليه لا يمكن حلها إلاّ بالحوار بين طرفيها اللذان هما : السلطه و الحوثيين .
رابعاً : إن حرب 1994م و نتائجها من الناحية العلمية و الأكاديمية البحتة قد أخرجت الشمال من الجنوب و أسقطت يمنيته في وجدان الشعب هناك . كما أنها قد أخرجت الحزب الاشتراكي من الجنوب إلى الأبد و بالذات الشماليين فيه ، لأنهم قبل إعلان الوحدة ظلوا يبحثون عن مستقبلهم السياسي في عدن و ليس في صنعاء ، و من البديهي بان يكون ذلك على حساب أهلها ، و هو ما حصل بالفعل و خلق نوع من الكراهية لهم قبل إعلان الوحدة . و كان هذا النوع من الكراهية أحد الأسباب الذاتية للصراعات الجنوبيه السابقة . صحيح أن الأخ علي منصّر حاول أن يعيد الحزب إلى الجنوب من خلال دعوته الأخيرة لمجلس تنسيق منظمات الحزب في الجنوب ، و لكن الحزب لن يعود إلى الجنوب إلاَّ بعودته إلى فرعين كما كان سابقاً و كما قال الأخ الدكتور عبدالرحمن الوالي قبل سبع سنوات . حيث إن الشماليين في الحزب لن يرضوا بوجود الهوية الجنوبيه ، و الجنوبيين فيه لن يرضوا بطمسها . و هذا هو اللغز الغبي الذي تركته لنا الحركة الوطنية . و الأكثر من ذلك أن الحزب لن يكون فاعلاً و مفيداً في الجنوب إلاَّ ببقية منظمات أحزاب اللقاء المشترك في الجنوب و تشكيل لقاء مشترك جنوبي خاص بهم يتبنى القضيه الجنوبيه و يناضل مع الحراك من أجل حلها . كما أن إجتماع مجلس تنسيق منظمات الحزب في الجنوب قد أخفق عندما أعترف ضمنياً بالحوار الوطني الشامل كآلية لحل القضيه الجنوبيه ، و هو يدرك بأنه يستحيل حلها إلاَّ بالحوار بين طرفيها اللذان هما : الشمال و الجنوب .
خامساً : إن المنحدرين من الشمال في السلطه و المعارضة قد ظلوا جميعهم و في مقدمتهم أصحاب الحزب الاشتراكي يرفضون فكرة إزالة آثار الحرب و إصلاح مسار الوحدة منذ أكثر من 15 سنه رغم بديهيتها حتى انتصرت لذاتها بظهور الحراك الوطني السلمي الجنوبي . و أذكر أننا عندما تحاورنا مع وفد صنعاء في سلطنة عمان بعد الحرب قد طرحت إزالة آثار الحرب و العودة إلى الحوار من حيث توقف قبل الحرب ، و قاطعني الأستاذ عبدالوهاب الآنسي و هو حينها نائباً لرئيس الوزراء ، و قال : تحدث عن نفسك في إطار العفو العام و لا تتحدث عن الوطن ، لأن الوطن من مسؤوليتنا . فقمت من الكرسي و قلت للعمانيين خلاص أنتهى الحوار طالما و الوطن لهم ، فلم يعد هناك شيئ نتحاور عليه . فتدخل العمانيون و علي محسن الأحمر الذي كان ضمن وفد صنعاء و أوقفوا الآنسي و طلبوا مني مواصلة الحديث . و عندما جاء دور الأخ محمد سعيد عبدالله (محسن) في الحديث قاطعه الآنسي مره ثانيه و كرر نفس الكلام . و في ليلة رمضانيه عند الرئيس علي ناصر محمد في القصر الجمهوري بصنعاء عندما جاء ليفتتح مركز الدراسات الخاصة به ، كان عنده قادة المعارضة و عدد كبير من أصحاب السلطه ، و كانوا يتحدثون عن الوضع السياسي و يتجاهلون الحرب و نتائجها ، و عندما طرحتها لهم سخروا مني ، و قال عبدالوهاب الآنسي : لو تصبح الحرب خاطئة في أي يوم من الأيام لسلمت نفسي للشرطة تسجنني . فقلت له سيأتي هذا اليوم و أتمنى أن توفي بوعدك ....الخ . فهل من يقول هكذا يسعى لحل القضيه الجنوبيه أم أنه يسعى لدفنها عبر الحوار الوطني الشامل ؟؟؟ .
لقد قال لي الأخ سيف صائل في أحد اجتماعات الأمانة العامة للحزب عام 2003م ، قال : يبدو أن ما تقوله سيصبح صحيحا . فقلت له لو عندي أدنى شك في ذلك لخجلت من حضوري معكم و أنتم لا تعيروا له اهتماما . و هذا ما أكرره الآن لمن لم يسمعني من الجنوبيين في الحوار . و أقول لهم ما هو مستقبل الحوار على ضوء ما جاء أعلاه غير الفشل ؟؟؟ .
((1/8/2010م))