ملتقى جحاف - متابعاتألقى "آلن دنكان"، عضو البرلمان البريطاني ووزير الدولة للتنمية الدولية في المملكة المتحدة، كلمة في مؤتمر حول اليمن عقد بلندن في الأول من الشهر الجاري، نظمه المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية (شاتام هاوس)، وناقش فيه نخبة من رجال السياسة والفكر والاقتصاد وممثلون عن هيئات دولية وإقليمية تحديات الحرب على الإرهاب وقضايا الاقتصاد والتنمية والحوار السياسي باليمن.
دنكان قدم ورقة بعنوان: اليمن .. الديناميكا السياسية وإطار السياسة العالمية.
"صدى عدن" يعيد نشر مداخلة الوزير البريطاني نقلا عن «المصدر أونلاين» الذي قام بترجمة الورقة، وفيما يلي النص الكامل لها:
باعتباري صديقاً شخصياً لليمن لأكثر من 20 سنة، أنا ممتن لكوني أتحدث اليوم في الوقت المناسب في هذا الحدث المهم. وإن كان من المؤسف أن تأتي مناقشتنا هذه على خلفية الأوضاع الأمنية المتدهورة لهذا البلد المهم. وإن هذا الأمر لا يأخذني لأقول لكم أن الاهتمام الدولي حول اليمن ارتفع بشكل كبير خلال السنة الأخيرة، أو نحو ذلك.. فلقد كان هذا بالتوازي مع زيادة في هشاشة اليمن، وأن التأثير المحتمل لهذا لم يكن فقط على المواطنين اليمنيين، الذين يعتبر العديد منهم من بين الفئات الأكثر ضعفا في العالم، ولكنه أيضا تعدى ذلك إلى الأمن العالمي. ولقد رأينا في نهاية هذا الأسبوع فقط كيف يصل تأثيره إلى كافة أنحاء العالم. إن التهديد الذي نواجهه من تنظيم القاعدة يعتبر تهديداً عالمياً، وهو تهديد مترابط بين الدول. وكما لوحظ فهذه المؤامرة الأخيرة، شملت اليمن والإمارات العربية المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ومثل هذا يتطلب استجابة جماعية.
من الناحية السياسة، فإن اليمن تضعنا أمام خيارات صعبة. ويعتقد الكثيرون أن النافذة المتاحة لمنع فشل الدولة في اليمن باتت في وضع مغلق، على أن هناك ربما مدرستين فكريتين في هذا الأمر: إما أن البلد يتجه نحو الانهيار، أو بطريقة ما ستتخللها الفوضى والتشويش كما جرت العادة. وأيهما كنت تعتقد النتيجة، فأنا لا أعتقد أن كلاً من اليمن أو المجتمع الدولي يمكنه أن يتحمل الجلوس هكذا: "ينتظر ويرى ما هو التوقع الصحيح".
لأجل اليمن، ولخاطرها، نحن لا يجب أن نجازف بعدم القيام بأي شيء، على أمل أن الأمور سوف تموه وتشوش فقط من خلال الرقص على رؤوس الثعابين الذي ولّى زمانه. ذلك أن أي جهد يستنفد اليوم لمنع فشل الدولة هو أفضل مليون مرة من ذلك الجهد الذي سنكون بحاجته للتعامل مع أي فشل لاحق للدولة.
إن اليمن على شفير الهاوية، وبالتالي تبدو لنا الفرصة مواتية. لذلك دعونا نرى لمرة واحدة إذا كان التدخل المبكر يستطيع تأمين مستقبل الدولة الضعيفة.
إن اليمن ترسم أمامنا صورة مقلقة للغاية. ينفد فيها النفط، والمياه، والوقت أيضاً. في حين أن العالم في نظر البعض بدأ هو الآخر ينفد صبره.
من منظور التنمية، نحن نعلم أن اليمن لم ولن يحقق أياً من الأهداف الإنمائية للألفية الخاصة به. فهو على مستوى العالم لديه أسوأ الأرقام لوضع المرأة في المجتمع؛ كما أن انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية آخذة في الارتفاع، ويعد النمو السكاني فيه واحداً من أعلى المعدلات في العالم، واقتصاده الكلي فشل، ليصل عجز الموازنة لأكثر من 2 مليار دولار في نهاية العام الماضي. وعلى الرغم من ذلك، فهذه ليست هي مشاكل اليمن الوحيدة. فهناك النزاعات الداخلية في الشمال والجنوب تتواصل لتخلق حالة من القلق، وهناك بعض التخوف حول وجود شكوك بانتهاكات لحقوق الإنسان، وحوالي 300,000 يمني في نزوح داخلي.
إن القدرة الحكومية الضعيفة وعدم قابليتها في السابق لتنفيذ الإصلاحات الرئيسية تركت الكثير من سكان اليمن بدون الخدمات الأساسية، بدون وظائف، بدون أمن وعدالة. إن كل هذا يملك القدرة على مفاقمة الشكاوى المحلية التي يشعر بها اليمنيون، الأمر الذي يمنح تنظيم القاعدة الفرصة المناسبة لاستغلال تلك الأوضاع. وهذا ما يدعو للتجهم.
إن الدرس المستفاد من البلدان الأخرى هو أنه إذا كنا نقعد ونحلل بلداً على حافة الانهيار لفترة طويلة جدا، فإن الوقت الذي نقرر فيه أن نفعل شيئا ما حيال ذلك سيكون حتماً بعد فوات الأوان. ربما إن ذلك هو ما نمر به حالياً مع اليمن. لذلك يجب أن نقرر الآن. وأعتقد أنه يتوجب علينا أن نتبع القاعدة الوقائية وهي أن نعمل الآن لنضمن الحيلولة دون فشل الدولة بدلا من المجازفة بعد حدوثه.
تقع اليمن على رأس جدول أعمال الحكومة الائتلافية [الحكومة البريطانية الجديدة]. وهي واحدة من البلدان الأكثر أهمية لدى مجلسنا الجديد للأمن القومي، كما أنها واحدة من البلدان التي نعتقد أن الحل يجب أن يقدم وفق نظرة أو منهاج متكامل، بالتنمية والدبلوماسية في قلبها.
ما نحن مهتمون للقيام به هو التصدي لتحديات الفقر والمرض والتعليم في اليمن، ونحن مهتمون أيضاً بالمساعدة على تحقيق حكم أفضل. أضف إلى ذك أننا أيضا مهتمون بالاستقرار الإقليمي والعالمي، وكذا بإيقاف تصاعد الإرهاب. باختصار.. نحن مهتمون بالتصدي للفقر وعدم الاستقرار لكي تتمكن اليمن من الوقوف والإزدهار مرة أخرى.
النزاع والتنمية في اليمن
بسبب الإرهاب مرة أخرى، كانت اليمن هذا الأسبوع على الصفحات الأولى. بيد إن الإرهاب ليس هو التهديد الوحيد الذي يواجه اليمن؛ فالقاعدة تتطلع إلى استغلال عدم الاستقرار كلما أمكن. ودعونا للحظة فقط نسأل أنفسنا ما هو الشكل أو المظهر الذي يمكن أن يبدو عليه اليمن المنهار.
اليمن في وضع الانهيار يمكن أن يقود إلى سلسلة من الفوضى: لا مياه، لا طاقة، لا طعام، صراع مدني، انتعاش لتنظيم القاعدة، يفضي إلى ارتفاع منسوب التطرف، وبالتالي خطر إقليمي ودولي على حد سواء على أمن إمدادات الطاقة في العالم والعديد من الدول.
إن البلد الذي يعتبر خارج المسار في بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية يمكن أن يذهب بعيداً إلى الوراء بأسرع ما يمكن. وهذا احتمال مخيف ومصدر قلق خطير بالنسبة للعالم الأوسع.
اليمن تمتلك كل المقومات لتصبح أكثر تعقيداً. هناك ظلم وشكاوى؛ هناك نمو سكاني متسارع من شأنه أن يزيد من تناقص الموارد وقلة فرص العمل، وإلى جانب ذلك، هناك سهولة في الحصول على الأسلحة. على أن انخفاض عائدات النفط هي البداية الحقيقية لإيقاف دوران عجلات السلطة.
إن اليمن هو المثال الأكثر دلالة على صراعات اليوم المعقدة، حيث المظالم الفردية والجماعية الاستبعاد أو التقاعد. واليمن يمكنها أن تتأثر بما تسوقه القوى الإقليمية والعالمية مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية أو السياق العالمي للإرهاب الدولي. وعندما يجتمع كل ذلك معاً فإنه تقريباً يضمن حالة الفوضى. إن الإشارات التحذيرية واضحة. فالصراع يتصاعد والحكم ينهار. الصدامات [الاشتباكات] القبلية تستمر لتصبح أكثر فتكاً ويصعب إدارتها، والقضايا المحلية والإقليمية تعمل على نحو متزايد كـ " القضبان الجاذبة للبرق" لجذب السخط العام على نطاق واسع. إن قضايا الأمن والتنمية متضافرة.
هناك طريقان يمكننا الاقتراب من خلالهما من مشاكل اليمن. يمكننا معالجة إما الأسباب الكامنة وراء الفقر والبطالة والظلم والحكم، وإما أن يبدأ المجتمع الدولي في الصراخ ويلوح بالعصا الغليظة.
بالنسبة لنا في الحكومة الائتلافية ووزارة التنمية الدولية، نحن نعمل على وضع التنمية في قلب نظرة متكاملة لأجل اليمن.
مسك زمام المبادرة
إن الحكومة الائتلافية تعتزم إنفاق 30 ٪ من ميزانية التنمية على الدول الضعيفة. واليمن هو المرشح الرئيسي لمثل هذا الاهتمام.
بيد أن وجهة نظرنا تتمثل بكون التنمية ليست فقط مجرد محاولة لإصلاح ما أفسد. بل أن التنمية في المقام الأول لها دورا حاسما في إيقاف أي بلد من التفكك. ولقد قمنا بالكثير من العمل حول التدخلات في مرحلة ما بعد النزاع في اليمن، بيد أننا عملنا أقل من اللازم على التدخلات قبل وقوع الأزمة، لذلك سيتوجب علينا أن نكون جريئين كما سيتوجب علينا أن نكون مبدعين.
ونحن بالطبع بحاجة إلى أن ننظر لما يمكن أن يخطر في بالكم بخصوص التدخلات التنموية التقليدية، كبناء المدارس والمستوصفات، وجميع تلك الأمور التي يقوم بها الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن بشكل جيد. ولكننا بحاجة إلى أن ننظر إلى أبعد من ذلك؛ للتصدي لانعدام فرص العمل، وأسباب سوء التغذية لدى الأطفال، ولدعم عملية الحوار الوطني التي من شأنها أن تؤدي إلى انتخابات شاملة ونزيهة في العام المقبل، وكذا للتأكد من أن العمل الحكومي يسير بطريقة أكثر مسئولية، ومستجيبة لاحتياجات الناس. إننا نعمل على تأنيق مساعدات المملكة المتحدة في اليمن.
إن هدفنا هو أن يمنح الضمان للشعب، ليغدو الرهان على المجتمع، القادر على الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، بأن يكون هو صاحب الكلمة الفصل في تحديد مستقبله. وباعتماد هذا النهج، والعمل مع المجتمع المدني، ومع الحكومة المحلية، ومع النظام القبلي العشائري التقليدي، فإننا سنساهم في تمكين الحكومة من مواجهة التحديات، ونتيجة لذلك نأمل أن نرى اليمن أقوى وأكثر استقرارا.
إن تأمين مستقبل اليمن لا يقتصر فقط على ما يمكن أن يقومون به هم لأنفسهم داخلياً أكثر من كونه يتعلق أيضاً بما تقوم به المملكة المتحدة لهم. وهذا هو ما يقوم به أصدقاء اليمن. وبشكل حاسم، كيف نعمل جميعاً مع بعضنا البعض. وعلى هذا النحو، بينما نجد أن الحكومة اليمنية تحاول معالجة المشكلة داخليا بأسلوب مجزأ، فإن شركاءها الدوليين يميلون إلى التصرف بشكل منفصل وغير متجانس.
وبشكل مؤكد تقريباً، فإن الجهود المجزأة للجهات المانحة والدول المجاورة، بالقدر الذي كانت تحسب كمساعدة من المجتمع الدولي لليمن، فإنها بالقدر ذاته كانت تمثل عائقاً لليمن. وفي السابق كانت هناك محاولات للمجتمع الدولي الداعم للاجتماع بشكل موحد لمساعدة اليمن، ومع ذلك، على سبيل المثال، فإن مبلغاً ضئيلاً جدا من إجمالي الـ 5 مليار دولار المتعهد بها لليمن في 2006 تم تسليمها، وخصصت لمشاريع البنية التحتية ذات الاحتياج الشديد، غير أن معظم الأموال التي استلمت لأغراض أخرى ذهبت لمشاريع ثانوية وغير متوقعة.
هذا التصرف بالنسبة للمجتمع الدولي يعد مجازفة تضاف إلى الانقسام الذي تعاني منه الحكومة، وهو يضعف جهود التنمية للجميع، ذلك، وقبل كل شيء، لأن التنمية الفعالة - في قدرتها على التخطيط وتنفيذ البرامج التي تحدث فرقا حقيقيا - تستلزم تدفقاً تمويلياً ثابتاً وموثوقاً.
وعليه فإننا مهما نعمل، يجب علينا أن نفعل ذلك معاً. إن التنسيق بين المانحين أمر ضروري، على الرغم من أنه لا يزال يشكل تحدياً كبيراً. ولقد ساهمت تدفقات المانحين المشتتة في تمزيق اليمن نفسه. ولتفادي خطر فشل الدولة يجب علينا الآن، تحسين أسلوب تعاملنا الخاص مع اليمن.
وكما قلت في نيويورك في اجتماع أصدقاء اليمن الأخير، نحن كأصدقاء لليمن يجب أن ننسق ونتواصل فيما بيننا، كما يجب علينا جميعاً أن نكون حاضرين على أرض الواقع في صنعاء، ويجب علينا البحث عن طرق تكون مرنة في كيفية تقديمنا الدعم وإيجاد آليات تسليم مشتركة.
الطريق إلى الرياض
لقد كان الحساب الذي أوجزته لبعض الوقت مقبولاً حتى الآن، غير أن إحياءه كخيار حيوي هو الخطر بعينه. في الشهر الماضي تعرضت سيارة تابعة للسفارة البريطانية لهجوم عنيف مما اضطرنا لسحب عدد من فريقنا في صنعاء حتى نتمكن من حفظ سلامتهم.
وفي نهاية عطلة هذا الأسبوع شهدنا تطوراً آخر مقلقاً للغاية. إن الحالة الأمنية هناك تجعل ما يمكننا القيام به لليمن معرضاً للخطر. والواقع أنه يعرض وجودنا هناك للخطر بشكل كبير جداً. وإذا كان الوضع الأمني حالياً يعمل على طرد المساعدة التي تحتاجها اليمن، ففي الحقيقة، فإن المخاطرة ستكون سيئة للغاية.
وعلى أية حال، لا ينبغي علينا التقليل من شأن بعض التقدم الذي تم إحرازه. فبجهود اليمن نفسه، شهدنا تطبيقاً لبرنامج صندوق النقد الدولي الخاص ببناء الاقتصاد اليمني، كما شهدنا اتفاقاً لوقف إطلاق النار مع المتمردين الحوثيين في الشمال، والشروع في عملية الحوار الوطني، والموافقة من قبل الحكومة اليمنية لإعلان خطة الأولويات الوطنية الذي يعتبر ضمن المكونات التي تمكنه من بلوغ الصندوق الخاص بتنمية اليمن. وهو ما لاقى تشجيعاً كبيراً من قبل أصدقاء اليمن في الاجتماع الأخير في نيويورك في أيلول / سبتمبر باعتبارها خطوات أخرى ناجحة في الاتجاه الصحيح.
ومع ذلك، فليس لدينا مزيد من الوقت. إن اجتماع أصدقاء اليمن التالي المقرر عقده في شباط / فبراير، في الرياض، على بعد بضعة أشهر فقط، هذا الاجتماع المرتقب من المحتمل أن يمثل نقطة تحول رئيسية، الاجتماع الذي يستضاف في المنطقة من قبل واحدة من أهم جيران اليمن، يمكنه أن يبرهن على أن اليمن أحدثت تقدماً ملموساً. وأكثر من أي اجتماع آخر قبله، اجتماع أصدقاء اليمن في الرياض من المحتمل أن يمثل: إما فرصة ذهبية لليمن، وإما أن الفرصة الأخيرة لمعالجة مشاكل اليمن سيكون قد فات أوانها .
إن التحدي بالنسبة لنا جميعا هو أن نتأكد من أننا بلغنا العلامة - الحكومة اليمنية، والمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة، والجهات المانحة، وجيران اليمن، وبقية المجتمع الدولي - للعمل معا من أجل إحلال السلام والاستقرار للمواطنين اليمنيين.
نحن بحاجة لتقدير فاعلية التنمية باعتبارها مفعولاً مستداماً في دعم هذه الدولة. ونحن بحاجة لأن نحقق ذلك لكلا السببين الأخلاقي والعملي فإنه من المهم علينا التركيز على الفقر والحكم الرشيد. وكما أننا بحاجة لأن نتوحد عالمياً للنظر إلى اليمن بطريقة موحدة ومتسقة. فنحن أيضاً بحاجة، كأصدقاء اليمن، إلى الحديث بشكل صريح، والتصرف بشكل عملي.
نحن نريد تنمية فعالة، ونريد تحسين التنسيق بين الجهات المانحة، ونريد التوصل إلى نتيجة ناجحة حقا في الرياض.
بالنسبة لي، فإن الوضع المزري فقط، يزيد من تصميمي للبقاء متورطاً في المشاركة. غير أن ما يأتي بعد ذلك هو المفتاح. إن الشهرين المقبلين خلال الفترة التحضيرية للرياض هي الحاسمة. وكل الخطابات التي سمعناها جميعاً يجب أن تصبح الآن حقيقة واقعة.
الجمعة 12 نوفمبر - 21:27 من طرف عبدالرحمن العامري