الأربعاء / 15 ديسمبر كانون الأول 2010
كتب/عبده النقيب*: كنت احلم في صغري بأن أكون شاعر او قاص او رسام لكني لم اوفق في أي واحدة من هذه الهوايات التي كنت اريد ان اعبر بها عما يجول في خاطري , ورغم محاولاتي المتعددة إلا ان الفرصة لم تتاح لي لكي انجح لكثير من الأسباب رغم امتلاكي لخصوبة الخيال المرتبط بطفولتي التي عشتها في جبال خضراء ممتدة الأفق تسبح بين السحب بارتفاع عن سطح البحر يبلغ سبعة الاف وثمانمائة واربعون قدم, جبال مسكونة بالكهوف والصمت واساطير الجن التي نستمع لها كل مساء ونحفظها. خيال يجعلني اسبح في عالم يشوبه الخوف من الوحوش البرية والصقور بمختلف انواعها الصغيرة منها وتلك الضخمة التي تبث فينا الرعب عندما تأتينا وغالب الظن انها تقدم من افريقيا عبر سماء باب المندب القريب منا.
هذه البيئة التي من حولي ولدت لدي شغف بالقراءة للقصص والشعر بل ومحاولة الكتابة للشعر والقصة ناهيك عن الرسم الذي وجدت فيه ان يدي عاجزة عن نقل ما يجول في خاطري من صور .. دون شك البيئة والخيال لا يكفيان عندما لا تتوفر الشروط الأخرى كالإمكانيات بالإضافة الى المرشد والمعلم. لا أريد ان اكتب هنا قصة قصيرة او رواية فقد تلقفتني في وقت مبكر من طفولتي بيئة ثورية ليس لها علاقة بالأدب والشعر والرسم فقد كانت الأناشيد الحماسية والهتافات التي تنادي بسحق الرجعية ومحو الإمبريالية من على الوجود والمسيرات والكرنفالات تملأ الاجواء ولا تتيح لنا مجالا لان نذهب او نفكر خارجها. هكذا ولج خيالي الجامح في التأمل والتفكير في عالم السياسة بعيدا عن الأدب والفن تلك التي لم استطع الخروج منها على الرغم اني قدمت الى بريطانيا قبل اثني عشر سنة حينما كان الناس قد عزفوا عن السياسة وحتى من كان يمارسها فلا تكاد تكون مجرد تجارة تخلو من أي مبادئ او وفاء.
كانت الفرصة امامي لشق طريقي في بريطانيا في مجالين لن اخفق فيهما الدراسة الأكاديمية اوالتجارة, فانسحبت من الجامعة ورفضت حتى مجرد التفكير بالتجارة مخصصا كل وقتي وإمكاناتي للتعرف على المجتمع البريطاني بمنظماته الاجتماعية والسياسية بل وانهمكت في ممارسة الأنشطة الاجتماعية والسياسية من اوسع الابواب حتى اصبحت مهنتي الأولى والأخيرة. هذه المقدمة ليست جزءا من سيرة حياتي او مذكراتي بل انه تمهيد لازم للتوضيح بان الموضوع الذي سأكتبه قد فرض نفسه علي رغم ما به من مآخذ في نظر البعض الذي يراه بانه نشر للغسيل واثباط للهمم.
لست إعلامي ولا ادعي كما يفعل البعض فعندما يمتهن الشخص الإعلام اظنه يكون ملزما بالكتابة بمناسبة وبدون مناسبة وربما في بعض الأحيان يحاول البحث عن أي مبرر للكتابة مستخدما خيال التضخيم والنفخ حتى يجذب إليه القارئ بما في ذلك اختيار عنوان مثير وجاذب, لكن الكتابة بالنسبة لي هي ضرورة تفرض نفسها على فقد حاولت اكتب احيانا دون أن تختمر الفكرة في ذهني ووجدت صعوبة بالغة في ذلك.
لم اكن ادرك اننا معشر الجنوبيين نعاني من مرض ثقافة الزعامة المتخلفة إلى هذا الحد فقد كنا نتباهى بأن الجنوب بلد المتعلمين والمؤهلين وهي حقيقة فقد كرس النظام الشمولي الماركسي كثير من الخطط للتعليم والتأهيل حتى قضى على الأمية بين الرجال والنساء واكاد اجزم اننا كنا في الجنوب الغالبية العظمى إن لم يكن الجميع متفرغين في حلقات التثقيف والتعليم والتدريب والتأهيل ولم نخصص شيء يذكر للعمل المنتج حتى اصبحنا نستورد كل شيء بما في ذلك من يكتبوا لنا النظام الداخلي للحزب. هذا الانفتاح على التعليم الثوري والسياسة جعل كل واحد يتملكه شعور بانه سياسي مخضرم وانه زعيم ولا تكاد تخلو جلسة في قرية او في مدينة إلا وفيها نقاش حاد وطويل حول كل شيء بدءا من الصراع بين الاتحاد السوفيتي والامبريالية الأمريكية وانتهاء بالتيارات والأجنحة داخل التنظيم السياسي للجبهة القومية والحزب الاشتراكي ولن نستثني منها النقاش في قضايا سباق التسلح بتفاصيله التكنيكية الدقيقة بالإضافة إلى المعضلات التي ستبرز عندما تنتهي الطبقات وتزول الدولة ويسود العالم المجتمع الشيوعي المتطور حيث يطبق مبدأ لكل حسب عمله ومن كلا حسب حاجته.
ولعمري اني لا اتذكر في أي من جلسات النقاش والتي تعقد بشكل شبه يومي وتمتد من بعد الغداء مباشرة حتى منتصف الليل تزيد او تنقص وهي الفترة المخصصة للتحليق في الفضاء مزودين بالوقود عالي الجودة وغالي الثمن المتنوع بين (السمين والمطول والقدى وابو نقفه والمطيور وغيره مما تجود به اراضي اليمن والجنوب والحبشة وهرر في الصومال من قات) لا أتذكر انه فتح نقاش حول لماذا نستورد البطاطس بالعملة الصعبة رغم ان احد الوديان الصغيرة في الجنوب يكفي البلد بأكمله لو زرع وسيتم تصدير الفائض, ولماذا توجد لدينا أزمة سكن رغم اننا كما وصفنا السادات لا نزيد عن نصف سكان حي شبرا بالقاهرة.
المأساة ان النقاش يشارك فيه الجميع والكل يهرف بما لا يعرف وعادة ما يسيطر على النقاش الاشخاص الذين ليس لهم علم باي شيء او احد الدكاترة الذين لم يدرسوا المرحلة الابتدائية او الثانوية المهم في الأمر ان جلسة القات تتخللها (مرافسة) كشرط لازم والكل (مسطول) ولابد ان يشارك فيه .هذا الوضع كله جعلني في حيرة من امري وهو موضوع مقالي هذا: ما سبب (الرفيس) الذي يصاحب الحراك السلمي الجنوبي في كل مرصد ومفصل في الداخل والخارج الجميع مشارك فيه في ظاهرة نادرة الحدوث والكل زعيم في قافلة صعبة القياد.
لا اريد أن اكتب خطاب اتوعد فيه علي عبدالله صالح واشحذ فيه ههم الشباب للمزيد من التضحيات والفداء فالساحة الجنوبية مليئة بالخطباء فاشك ان احد يستمع او يقرا لأحد فالزعماء والخطباء والإعلاميين اكثر من الشعب وهو شيء نفخر به ان يخصص فيه لكل مواطن جنوبي اعلامي وزعيم وربما رئيس لأننا البلد الوحيد الذي يتنازعها ثلاثة رؤساء وكلنا مشردين اما لو استقلينا فالرؤساء سيكونون اكثر من المواطنين.
هل وصلت الرسالة !؟ اظن لا فهي ما مازالت حبيسة في راسي ولا بد من توضيحها..
قبل ان اعود لأوضحها بشيء من التفصيل علي ان أقول اني مقتنع بانه لا يوجد من هو اكثر عداوة لشعب الجنوب غير شعب الجنوب نفسه!! البعض سيشتمني والبعض سيتهمني بأني انشر الغسيل او احبط المعنويات, وانا مقتنع بان هناك حاجة ملحة لان نعترف بما نعانيه من مرض حتى نبدأ بمعالجته قبل ان ندعو نظام الاحتلال اليمني للاعتراف بالقضية الجنوبية. لا أحد يخشانا او يهابنا فنحن نحارب انفسنا بأنفسنا ونوفر الجهود والإمكانيات كلها على الاحتلال في محاربتنا. كيف سننجز مهمة التصدي لمؤامرات ومشاريع الاحتلال ونحن نسعى لإقصاء بعضنا البعض على صعيد المكونات السياسية على الأقل.. الكل يريد الزعامة لأن الجميع مصاب بمرض الزعامة.
من اين جاءنا هذا المرض المزمن ؟!
قبل ان نجيب على السؤال علينا اولا التأكيد على وجود المرض والبرهنة بالدليل المختبري على ذلك.
لو عدنا بذاكرتنا إلى الوراء خمسة عقود وهي الفترة المترابطة التي نستطيع ان نقول انها تشكل مرحلة واحدة مازالت مستمرة حتى اليوم بل انها استفحلت ولن تنته بسهولة بعد ان كان يفترض ان الاحتلال ومصائبه الكبرى قد عمل حالة قطيعة مع ماضينا الحديث واسس مرحلة جديده. اهناك شيء اسوأ مما نحن عليه اليوم من ظلم واضطهاد !؟ لا اظن فقد اقتربنا من حافة الانقراض كشعب وكثقافة وهي اخر محاولة تاريخية لنا كشعب جنوبي فلو انكسر الحراك فإننا لن نجتمع مرة اخرى سوى يوم الحشر. الكل يدرك هذا ومازال مرض الزعامة هو العامل المؤثر والمحفز للسلوك الثوري الجنوبي دون جدل وهو المرض الذي كان ومازال سببا في هزال وضعف وتمزق الجسد الجنوبي منذ ستينيات القرن الماضي.
كانت رابطة ابناء الجنوب العربي هي المكون الجنوبي المنشأ المعبر عن الوعي التحرري المتراكم كحصيلة للمقاومة الشعبية في المشيخات والإمارات والسلطنات على امتداد الساحة الجنوبية لعدة عقود على الأقل وهي المرحلة التي انتقلت فيها الإدارة الاستعمارية البريطانية من سياسة معاهدات الحماية إلى سياسية المعاهدات الاستشارية بما يعنيه ذلك من تدخل مباشرة قاومه الجنوبيون فكانت البداية الأولى للمواجهة التي يمكن رصدها بين عامي 1936- 1938م عندما هاجم الطيران الإنكليزي قبائل العوالق السفلى في شبوه وقبيلة قطيب في ردفان.
كانت الرابطة هي الحاضن الرئيس للحركة الوطنية الجنوبية تعج بالمثقفين والشخصيات الوطنية والاجتماعية خاصة وانها كانت تحمل فكر وطني متنور معتدل يجمع بين عراقة واصالة الماضي الجنوبي القبلي المشبع بالثقافة الإسلامية السمحة والحاضر المشرق المفعم بالأمل والنور والمتطلع للعلم .. كانت حينها قد بدأت تترعرع اجنة حركة القوميين العرب التي لبست ثوب التعصب والراديكالية وصوبت السهام على الذات قبل ان تصوبها نحو الاستعمار.. هكذا بدأت مرحلة الانقسامات والإقصاء والتخوين فخرج من الرابطة لفيف من القادة واسسوا عدد من المكونات واستمرت عملية التفريخ والاستنساخ حتى انفردت الجبهة القومية بكل شيء واصبح ما عداها ثورة مضادة وخائن. ولان عملية الاستنساخ صارت غير ممكنة فكان ولابد من أن يتم حل كل الخلافات عبر التصفية داخل اطار المكون الواحد. لا أحد يمكن ان يهضم ما كان يتم تسويقه بالأمس من مبررات مثل يسار انتهازي ويمين رجعي وبرجماتي فحقيقة الأمر ان الصراع كان على السلطة وعلى الزعامة ليس إلا.
استمرت التصفيات منذ أن شهد الجنوب اول انقلاب في يونيو1969 حتى آخر شهقة يوم ان لفظ الجنوب انفاسه في مايو 1990م وفي كل مرة كانت تتم العملية بطريقة لا تخلو من سلوك التآمر المشبع بحب السلطة والزعامة.
لا أرغب ان يذهب احد بخيالة بعيدا عما اريد أن اصل إليه .. فلست هنا لأسجل إدانة على الجبهة القومية فلا اظن ان الأحزاب الأخرى كانت ستشكل حالة افضل فقد فعلت بنفسها ما فعلته الجبهة القومية مع الفرق ان جميعها كانت خارج السلطة والبلد ولنا بما هو الحال في رابطة ابو علي اليوم كنموذج التي صارت مجرد دكان شعبي ليس له هوية يبيع (كل شيء بريال). ان ماصرت مقتنعا به اليوم هو اننا مشبعين بثقافة الزعامة, فكل الخلافات الاساسية تدور حول الزعامة والزعامة فقط. صحيح ان هناك خلافات حول القضايا المصيرية مثل من ينادوا بالاستقلال ومن ينادوا بواحدية الثورة اليمنية والتغيير وبين من ينادوا بهوية الجنوب العربي ومن ينادوا بيمننة الجنوب لكنها ليس الخلافات الرئيسة التي تبرز على السطح فما ان تحاول مجادلة من ينكرون على الجنوب هويته او استقلاله لا يترددوا في ان يردوا عليك بصوت خافت انهم استقلاليين وجنوبيين اكثر منك ولكنهم يلعبون في السياسة ويجيدون اساليب التكتيك التي تسمح لهم بان يكذبوا على أنفسهم وعليك ويبرروا لأنفسهم بان يتموّلوا عبر الشيخ حميد بشكل مباشر او عبر مقاول سياسي.
هكذا لم يتجسد حتى الآن صراع بين تيارات جنوبية واضحة المعالم ، الصراع ليس فكريا في الأصل فالبعض لا يهمه سوى ان يكون زعيما ,زعامة تدر المال والجاه بغض النظر عن المكان المحدد لهذه الزعامة فهي تتراوح ما بين القبول بوظيفة وهمية منقوصة الصلاحية والكرامة إلى زعيم يدعو للكفاح المسلح من اجل تحرير الجنوب العربي المحتل يتنقل بين طرفي الحبل المعلق والمتراخي بخفة ورشاقة كالبهلواني المحترف.
لا أظن ان احد متعصب للوحدة اليمنية من الجنوبيين حتى من المشاركين في السلطة الذين لن يبرحوا فيها اذا ما مست امتيازاتهم , لكن المصالح هي التي تحدد موقف هذا الحراكي او ذاك فالبعض مازال مشدوخا بين الاشتراكي والحراك لأنه يحصل على قليل من النعمة ولو كانت فتاتا. والبعض الآخر تمثل له الزعامة في الحراك مصدر دخل من تحويلات المغتربين والتبرعات ناهيك عن الوجاهة وهكذا تبدو الزعامة هي الهاجس الذي يحفز الكثيرين على مختلف المستويات فلم اسمع في بلد ليس فيها سلطة ان فيها عدد من الرؤساء وحتى وزراء الغفلة الذين لم يحكموا ولم يستلموا كراسيهم ولم يعترف بدولتهم احد سوى اخواننا في صومالي لاند الذي لم يعترف بهم احد هم ايضا مازالوا متمسكين بالمناصب والزعامة. من يأتي متأخرا لا يأتي ليلتحق بمن سبقوه بل انه يخترع له اسم جديد ويدعو الجميع للالتحاق به حتى وإن لم يأت بشيء جديد او مختلف اهم ما في الأمر ان الشيء الذي اخترعه سيكون هو المؤسس له وزعيمه التاريخي وتصبح الزعامة استحقاق لا ينازع عليها على طريقة القيادة التاريخية.
بعد حراك في الكواليس دام ثلاث سنوات فشلت مجموعة الإنقاذ الوطني في تزعم الحراك ولم يحصلوا على الحد الأدنى من التأييد الذي يسمح لهم بالظهور والإعلان عن مشروعهم الغير محدد المعالم. لم يستسلموا فهم مسكونون بالزعامة كحق طبيعي لهم لذا لجأوا إلى فكرة تقديم مشروع محشو ببعض (الفستق والمكسرات) التي يمكن ان تؤكل بعد الاستقلال وهو ما اصطلح على تسميته بمشروع العطاس او بالأحرى مشروع الصريمة وهو توليفة من البيانات المتناثرة التي صدرت من هذا المكون أو ذاك على مدار ست سنوات ولم يأت بجديد يذكر لكنه وضع امام الجميع كحجة لمن مازال يتهم المجموعة بانهم مع الفيدرالية.. المهم ان المشروع هذا خرج مشفوعا بقيادة جاهزة بكامل عتادها تقود الحراك في الداخل وفي الخارج قبل وبعد الاستقلال وتنوب عنه في السراء والضراء لا تقبل النقاش مع أي كان فقط تقبل من لديه ملاحظات ولا مانع من ان يرسلها للمجموعة عبر البريد.
هكذا تبدوا الصورة واضحة المعالم ويبدو عامل الزعامة هو قطب الرحى الذي تدور حوله كل الصراعات الجنوبية الجنوبية . والحقيقة ان من يحصل على الزعامة بطريقة غير ديمقراطية لا يمكنه التخلي عنها بطريقة ديمقراطية فكل من يأت جديد ليلتحق لا يمكن ان يضمن لنفسه فرصة الوصول للزعامة فالذي سبقوه سيحتكرون الزعامة وسيبحثون عن المبررات لمحاربة من ينافسهم بدأ من الاقصاء وانتهاء بالتخوين ولم يتبق إلا التصفية وهي الوسيلة الغير متاحة لمن هم خارج السلطة كما هو حال الحراكيين الجنوبيين اليوم.
لن ادعوكم للوقوف امام الطريقة التي تشكل بها مجلس قيادة الثورة ومجلس الحراك فقد تمت عن طريق القفز والنط (والذي يقدر يلحق يتفضل ) فقد تمت عملية الوثب على الزعامة في غفلة واليوم يصعب حتى الحديث عن تغيير الزعامة فبعد ان فشلوا في اقناع الاخرين بانهم ممثلين لهم وانهم الحامل السياسي للقضية الجنوبية كما يدعوا بدأت المناطحة على الزعامة في اطار المجلس نفسه فمن عين نفسه لا يقبل احد حتى ان يشاركه ولانقول يحل محله.. انها الزعامة بكل صفاتها واوصافها.
لا اشك بان البعض ممن يقراوا مقالي قد بدأ الغيض يفيض منهم وانا لا ألومهم فلديهم انطباع باني انتمي الى "تاج" واكتب من منطلق العداء لكل من هم خارج تاج فحتى أشفي غليل هؤلاء سأتوج هذا الشرح بنموذج لحب الزعامة لا يحتاج إلى تأويل او تحليل فهو مثل مرتبط بما عايشته شخصيا في التجمع الديمقراطي الجنوبي "تاج" الذي قدم اسوأ النماذج بين مكونات الحراك على الإطلاق في موضوع الزعامة بالذات.
لقد واجهتنا نفس المشكلة التي نشكو الآخرين منها ولاعجب "فذاك الخل من ذاك البرطمان" فالبعض من زعامة "تاج" وجد هكذا بطريقة ثورية اقتضتها الضرورة. كان الجميع عند الانطلاقة يعيش حالة تجرد ذاتي تتطلبه المهمة العسيرة التي سنبدأها في مواجهة دولة الاحتلال وطابور الجنوبيين المشتتي الذهن والذاكرة وهم في مجملهم كثيرين فكان لابد من حشد اكبر عدد ممكن رغم اننا في ساعة حقيقة قلما وجدنا من يقبل بالزعامة لأنها كانت كما سماها البعض انتحار.. اكتملت السنوات الخمس ودارت عجلة السادسة والسابعة وقد شهدنا تغيرات كبيرة على الساحتين الداخلية والخارجية كثرت فيها المكونات وتعددت فيها المنابر إلى درجة لا يمكن تذكر اسمائها وتغير كل شيء إلا زعامة "تاج" التي جثمت على أنفاس التنظيم وكادت ان تكتمه. قيادة عجزت عن إدارة الحزب فأصابت اوصاله بالشلل وانكفات على ذاتها لا تقوى على شيء سوى انها تحولت إلى ماسورة ضخمة تقذف البيانات بمناسبة وبدون مناسبة وبشكل مرتجل لاتعبّر عن الحزب او الهيئة المحصورة والمجزوءة حتى صارت مجرد دائرة للإفتاء. زعامة تاج وقفت ترفض فكرة التغيير او الانتخابات حفاظا على الزعامة ولم اكن اتخيل اني سأسمع هذا المبرر من زعامة تاج ( نحن حركة تحرر ولايجب ان نعمل انتخابات )( في مرحلة التحرر ما هو مهم هو القيادة فقط وليس بالضرورة وجود قواعد) نعم هذا سمعته وكان هو المبرر لرفض الهيئات والاجتماعات العامة والتغيير او التجديد والانتخابات رغم ان بعض الزعامات يعون جيدا انهم لم يقدموا شيء وانهم حتى اصبحوا لا يصلحوا حتى لاستخدامهم كواجهة. رفضوا كل المبادرات من القواعد ومن اجل مواجهة هذا لم يترددوا في ممارسة شتى الاساليب من الكذب والمغالطة إلى التخوين بل ومحاولة شق التنظيم وتدميره ولولا انهم بسلوكهم وانعزالهم قد فقدوا أي تأييد فلم يعدوا يشكلوا أي عائق للمسيرة التاجية لكانوا مزقوا تاج اربا اربا حتى تعيش الزعامة. هذا هو جزءا من الحقيقة التي يجب ان يعرفها الجميع كحق لهم في ذلك ولا نخشى من نقد الذات ومواجهة انفسنا بما نحن فيه.
لقد لاحظت ان اخطر داء مصاب به شعب الجنوب إلى حد يمكن وصفه بالوباء هو ثقافة السباق على الزعامة وعدم قبول الآخر. ثقافة تبدو مكتسبة تأصلت في المجتمع الجنوبي لستة عقود ولا اظن ان وجود ثلاثة وعشرون مشيخة وإمارة وسلطنة أمر منفصل عن التكوين النفسي والقبلي الجنوبي .. دعونا نفكر ونسأل لماذا لجا الاستعمار البريطاني إلى ايجاد صيغة الاتحاد الفيدرالي في وقت متأخر من الزمن ولماذا أختار هذا الشكل من الوحدة.. دعونا من الحديث عن نظرية المؤامرة وان الاستعمار كان يخطط لكذا وكذا فهذا أمر معروف ولاندافع عنه بل ان بريطانيا اقامت الاتحاد مكرهة لمواجهة التحديات التي نشأت في المنطقة العربية ووجود المد التحرري العالمي والظروف التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ومالحق بالإمبراطورية البريطانية من دمار قابله صعود للمد الأمريكي في المنطقة. كل هذا جعل بريطانيا تفكر في ايجاد صيغة توحيدية للمشيخات والإمارات يمكنها من السيطرة عليها وتلبي بعض المطالب التي بدأت ترتفع داخل الجنوب نفسه. السؤال الذي يطرح نفسه هل كان اختيار الفيدرالية الجنوبية مدروسا ومناسبا لظروف الجنوب.. لن اتردد في الإجابة بنعم فقد كان النموذج الآخر الذي اختارته الجبهة القومية غير موفقا وسبب للجنوب اقل ما يمكن تسميته بالنكبة التاريخية.
إذا معضلة الحراك اليومي هي نفس معضلة مشيخات وسلطنات وامارات الجنوب العربي بالأمس ومن يريد ان يقضي على مرض الزعامة فليجعل في كل بيت زعيم ولنقم بتوسيع دائرة الزعامات في قرية ومنطقة على طريقة العشائر والقبائل فاذا لم تمارس الديمقراطية العشائرية داخل كل منطقة بشكلها الجديد المعبر عنه بالمكونات السياسية فإننا لن نفلح.
ولا نخش مما نقول فهذا لن يضرنا ولن يحبط مساعنا للوصول إلى ما نصبو إليه في تحرير الارض واستعادة الدولة الجنوبية المستقلة فنحن بهذا نتلمس طريقنا الصحيح ولابد من السير فيه وما ينقصنا هو معرفة هذا الطريق وتنظيم الحشد فيه. فعندما ننطلق موحدين في هذه الطريق لن يستطيع ان يوقفنا احد ففي الحقيقة نحن الذي نعيق انفسنا مثلما مهدنا تمهيدا سياسيا كاملا للاحتلال العسكري والقبلي اليمني الذي جاء كنتيجة لما فعلناه بالجنوب نحن فإننا اليوم سندمر الثورة بالتنافس على الزعامة التي ستحول المعركة إلى جنوبية جنوبية بدلا من جنوبية ضد الاحتلال.
يجب ان نخشى من مساوئنا اذا لم نتعرف عليها ونعالجها وابرزها بل واهمها التنافس على الزعامة, اما الاحتلال فهو متورط في الجنوب وخروجه منه لن يتم مجانا بل سيكون السبب الرئيس للقضاء على اخر دولة زيدية حكمت اليمن لأحدى عشر قرنا ونيف. لم يقل المرحوم الشيخ الأحمر المعروف بالحكمة لعلي عبدالله صالح "انت الذي ورطتنا بالدخول مع الجنوبيين" من الفراغ فقد كان يدرك ان الجنوب أكبر من أن يبتلع او يهضم. لقد صار الاحتلال اليمني للجنوب اليوم فيما يشبه حالة الثعبان الذي التهم وعل ذو قرون فبدا يمزق احشائه ويفجر معدته ولم يتمكن من هضمه. لن نخاف من الاحتلال فقد بليت اليمن الزيدية بحاكم أرعن سيكون سببا في التعجيل بزوال الدولة الزيدية من اليمن الأسفل على الأقل وربما تنكمش في مناطقها التقليدية في صعدة وماجاورها إلى حين لكنها لن تستمر في الجنوب ولا في اليمن الأسفل بكل تأكيد.
*عضو اللجنة القيادية المؤقتة سكرتير دائرة الإعلام لحزب "تاج"