د.محمد حيدرة مسدوس
وثيقتي للتوحيد 4-4
التاريخ : الاثنين / 21 فبراير شباط 2011
(( الفصل الرابع ))
الحل الشرعي و الوحيد للقضيه
ان الحل الشرعي و الوحيد للقضيه الوطنيه الجنوبيه يتطلب هذا الخط السياسي المجسد في هذا الميثاق ، و تحقيق هذا الخط السياسي يتطلب خطاباً سياسياً يرتكز على مبادئ ثلاثه : أولها قوة شرعيته ، و ثانيها قوة حجته ، و ثالثها قبوله لدى الرأي العام الداخلي و الخارجي . و لا بد ان ينطلق هذا الخطاب من الحرب و نتائجها ، لان الحديث خارجها يبررها و يقدم الطرف الاخر مدافعا عن الوحده و يعفيه من مسئولية الحرب و نتائجها ، بينما الحقيقه هي عكس ذلك تماما . فلم يكن الطرف الاخر مدافعا عن الوحده من حيث المبدأ ، و انما مدافعا عن الغنيمه و عن واقع الاحتلال الذي جاءت به الحرب . فلو كان مدافعا عن الوحده لما قام بالحرب و لما اسقط اتفاقيات الوحده قبل تنفيذها و لما استبدل دستورها و حولها الى اسواء من الاحتلال . و لهذا و على اساس ما سبق ، فان الحل بعد الان لا بد و ان ينطلق من المنطلقات الخمسه التاليه:
1- المنطلق الاول : ان الهويه السياسيه للجنوب سابقا كانت الجنوب العربي الى يوم الاستقلال ، و قبلها كان سلطنات و امارات تحكم نفسها بنفسها الى ان تم احتلالها من قبل بريطانيا قبل ظهور اليمن السياسي و قبل ظهور دولة صنعاء اليمنيه بزمن طويل . و بعد ظهورها تم ترسيم الحدود معها عام 1934م . و هذه السلطنات و الامارات لم تاخذها بريطانيا من يد الاتراك الذين كانوا يحكمون الشمال او من يد صنعاء بعد خروجهم ، و انما اخذتها من سلاطين الجنوب . و في عهد بريطانيا الذي دام ((129)) عام تم توزيعها الى محميتين لعدن ، هما : المحميه الغربيه التي قامت عليها دولة اتحاد الجنوب العربي ، و المحميه الشرقيه التي ظلت خارج الاتحاد . و قد جاءت الثوره في الجنوب و حررت الشعب من الاحتلال البريطاني و اسقطت دولة الجنوب العربي و استبدلت هوية الجنوب العربي بهوية اليمن الجنوبيه على طريق الوحده العربيه الشامله ، و وحدت المحميه الشرقيه مع المحميه الغربيه في دولة اليمن الجنوبيه الشعبيه . حيث ورثت من دولة الجنوب العربي جيشها الوطني المحترف و أمنها الوطني المحترف و ادارتها العصريه الحديثه و عملتها النقديه الوطنيه المحترمه و التي حافظت على احترامها الدولي الى ان تم الغائها من قبل صنعاء بعد حرب 1994م.
2- المنطلق الثاني : انه بعد ان تم تغيير هوية الجنوب العربي الى هوية اليمن الجنوبيه اصبح اليمن يمنين سياسيين ، هما : اليمن الجنوبيه باعتراف صنعاء و اعتراف العالم ، و اليمن الشماليه باعتراف عدن و اعتراف العالم . و كانا بدولتين وطنيتين معترف بهما دوليا و معترفه كل منهما بالاخرى الى يوم اعلان الوحده ، و كلمة الوحده السياسيه بينهما تتضمن ذلك و تدل عليه . و لكن صنعاء اسقطت مشروع الوحده بالحرب و استبدلت مفهوم الوحده السياسيه بمفهوم الوحده الوطنيه حتى لا يدل ذلك على ان اليمن كانا يمنين سياسيين بدولتين الى يوم اعلان الوحده . حيث تناست صنعاء بان الاعتراف بالدولتين في حد ذاته هو اعتراف بيمنين سياسيين و بشعبين و هويتين وطنيتين و بتاريخين سياسيين ....الخ ، و اعلان الوحده السياسيه بين الدولتين هو دليل و شاهد على ذلك . و الاكثر من هذا ان اليمن ليس اسم امه ، و انما هو اتجاه جغرافي مثله مثل الشام . فنحن في الجنوب يمنيين من الناحيه الجغرافيه ، امّا من حيث الهويه السياسيه فقد كنا قبل الاستقلال الجنوب العربي و بعد الاستقلال اليمن الجنوبيه . و اما من حيث الامه و الاصل فنحن جميعنا امه عربيه و اصلنا عرب.
3- المنطلق الثالث : ان النظام السابق في الجنوب قد أمم الملكيه الخاصه و منع ظهورها و حول كل شئ ملكا للدوله مقابل ان تكون الدوله هي رأسمال الجميع ، و هي المسئوله عن كامل شؤون حياتهم بموجب النهج الاشتراكي الذي كان سائدا في الجنوب . و هذا ما ادى الى وجود اختلاف اقتصادي و اجتماعي جذري بين الجنوب و الشمال ، ناهيك عن الاختلاف الثقافي بينهما ، خاصة و ان الشمال مجتمع قبلي لا يقبل العيش في ظل حكم دوله ، و الجنوب مجتمع مد ني لا يستطيع العيش الاّ في ظل حكم دوله . و هذا الاختلاف الجذري ما كان يسمح موضوعيا بالوحده بينهما الاّ بازالة الثقافه القبليه في الشمال لصالح الثقافه المدنيه في الجنوب ، و ازالة الاثار الاقتصاديه و الاجتماعيه للنظام السابق في الجنوب لصالح ابناء الجنوب وحدهم دون غيرهم باعتباره ثروتهم حولها النظام السابق في الجنوب الى ملكية الدوله ، او ايجاد دوله بنظامين كما هو حاصل في الصين . و لكن حكام الدولتين اعلنوا الوحده بارادتهم السياسيه خارج اسسها الموضوعيه ، و جاءت الحرب و اسقطت هذه الاراده و اعادة انتاج دولة الشمال السابقه و نظامها السياسي المتخلف الذي قام بنهب الارض و الثروه في الجنوب و حرم اهلها منها دون ان يكون هو مسئول عن أي جانب من جوانب حياتهم . و هذا يعني بان الاساس الموضوعي للوحده قد تم نسفه بظهور النهج الاشتراكي في الجنوب عام 1969م ، و بان الاساس السياسي لها قد تم نسفه بحرب 1994م ضد الجنوب.
4- المنطلق الرابع : ان اعلان الوحده لم يأت استجابه للتطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي أو استجابه لوحدة السوق مثل الوحدات السياسيه التي عرفها التاريخ ، و انما جاء باراده سياسيه لحكام الدولتين كما سبق ذكره . و الاكثر من ذلك ان هذا الاعلان لم يقم على اسس اقتصاديه و اجتماعيه و ثقافيه متجانسه بين الجنوب و الشمال كما حصل في جميع الوحدات السياسيه التي عرفها التاريخ ايضا ، و انما تم هذا الاعلان على اساسين اقتصاديين و اجتماعيين و ثقافيين مختلفين و متعارضين . فقد كان الاقتصاد الوطني في الجنوب عاما و قائما على الملكيه العامه لوسائل الانتاج ، بينما الاقتصاد الوطني في الشمال خاصا و قائما على الملكيه الخاصه لوسائل الانتاج . و تبعا لذلك تكونت التركيبه الاجتماعيه في الشمال من الاغنياء و الفقراء و المتوسطين ، بينما ظلت التركيبه الاجتماعيه في الجنوب من الفقراء فقط . و كانت الثقافه في الجنوب مدنيه و اشتراكيه ، و في الشمال قبليه و اقطاعيه ... الخ . و هذا يعني بان الوحده قد اعلنت خارج اسسها الموضوعيه التي بها تكون أو لا تكون ، أي خارج اساسها الاقتصادي ، و خارج اساسها الاجتماعي ، و خارج اساسها الثقافي ، و جاء اعلانها باراده سياسيه لحكام الدولتين فقط كما اسلفنا.
5- المنطلق الخامس : ان صنعاء من حيث الممارسه ترفض الوحده منذ اليوم الاول لاعلانها . فقد ماطلت في قيامها من الناحيه العمليه خلال المرحله الانتقاليه حتى قامت بالحرب و اسقطت مشروع الوحده و استعادة دولتها السابقه و ضمت الجنوب الى دولة الشمال بالقوه ، و فكت الارتباط مع الجنوب في الواقع و في النفوس و حولت العلاقه بين الشمال و الجنوب من علاقة وحده سياسيه بين دولتين الى علاقة احتلال استيطاني أسواء من الاحتلال البريطاني . حيث قامت بطمس الهويه و التاريخ السياسي للجنوب و نهبت ارضه و ثروته و حرمته منها ، و رفضت الحوار حول ازالة اثار الحرب و اصلاح مسار الوحده ... الخ . و بالتالي ألم يكن بعد هذا كله من حق شعب الجنوب استعادة دولته ؟؟؟ . فقد تنكرت صنعاء للوحده بعد الحرب و رفعت شعار واحدية الجنوب و الشمال و استد لت على هذه الواحديه بعضوية قحطان الشعبي السابقه في الحكومه الشماليه و بعضوية عبدالفتاح اسماعيل في القياده الجنوبيه و هي لم تدرك بان عضوية قحطان الشعبي السابقه في الحكومه الشماليه مثل عضوية عبدالحافظ نعمان حاليا في القياده السوريه . امّا عبدالفتاح اسماعيل فيعتبر من ابناء عدن . و حتى اذا ما أعتبر من ابناء الشمال فانه مثل (( أوباما )) في الرئاسه الامريكيه . و هذا يعني بأن الاستدلال بعضوية قحطان الشعبي و بعضوية عبدالفتاح اسماعيل لا يوفر الغطاء الشرعي للوضع غير الشرعي في الجنوب . فلو كان الجنوب و الشمال واحدا لما كانت هناك حاجه للوحده السياسيه بينهما اصلا.
انه على اساس ما سبق فان قضيتنا الوطنيه الجنوبيه هي قضية ارض و ثروه تم نهبهما ، و قضية هويه و تاريخ تم طمسهما لصالح الشمال . و هي لذلك قضية وطن و هويه بامتياز . و لهذا و انطلاقا من المنطلقات الخمسه أعلاه ، فإن الحل الشرعي و الوحيد الذي يناضل شعب الجنوب من اجل تحقيقه ، هو :
أولا: إستعادة الارض و الثروه و مؤسسات دولة الجنوب المنهوبه ، و استعادة التاريخ السياسي و الهويه المطموسه ، و استفتاء شعب الجنوب على تقرير مصيره تحت اشراف دولي وفقا للشرعيه الدوليه المجسده في قراري مجلس الامن الدولي رقم (924) و رقم (931) ، باعتبار ان ذلك هو الحل الشرعي الذي يحمل الشرعيه الدوليه و الشرعيه الشعبيه و الذي يستحيل على صنعاء الهروب منه ، و باعتبار ان اي حل اخر سيظل رأي شخصي لاصحابه حتى يستفتى عليه من قبل الشعب في الجنوب . و على اساس هذا الهدف الوارد في هذا الميثاق فان الحراك الوطني السلمي الجنوبي هو الاداه السياسيه لتحقيقه ، و هو حراك وطني عام خارج الاحزاب و خارج الحزبيه الى ان تحل القضيه . حيث ان الحزبيه لاحقه و ليست سابقه للقضايا الوطنيه ، و حيث ان التحزّب في القضايا الوطنيه هو خيانه لها بالضروره . و في سير النضال السلمي لا بد من التمسك بمبدأ المرونه و الاستمراريه ، لان المرونه تمنع مبررات القمع و الاستمراريه تحقق الهدف ، و لان المرونه غير قابله للانكسار و الفشل من حيث المبدأ و تتيح الفرصه اكثر لمحاكمة النظام ، في حين ان المغامره و عدم المرونه تخلق مبررات القمع و تحمي النظام من العقاب الدولي و تكون قابله للانكسار و الفشل . و لابد ايضا من فتح رقم حساب لمن يستشهد و التبرع لصالح اسرته حتى تحل القضيه التي استشهد من اجلها و تحديد جهه ترعى الجرحى و اسر المعتقلين الى ان تحل القضيه . و بعد حل القضيه يمنح كل شهيد درجه لا تقل عن درجة وزير ، و يمنح الجريح المعاق درجه لا تقل عن درجة نائب وزير ، و الجريح غير المعاق درجه لا تقل عن درجة مدير عام ، و ينطبق ذلك مادياً و معنويا ً على جميع ضحايا الصراعات السياسيه السابقه ، و بحيث يكون هذا الميثاق هو ايضا وثيقة التصالح و التسامح بين كل الجنوبيين دون استثناء . و لمزيد من خلق الثقه بين الجميع فانه ليس هناك مانع من اي طرف جنوبي يحاور صنعاء على هذا الاساس شريطه ان يكون ملتزما بالديمقراطيه.
ثانيا: الاتفاق دستوريا على شكل الدوله بأعتبار ان ذلك هو أساس شرعيتها و استقرارها . فعلى سبيل المثال لو كنا في الجنوب سابقا قد تمسكنا بالدوله الاتحاديه التي تركتها لنا بريطانيا لما حصلت الصراعات الدمويه بيننا ، لان كل منطقه كانت تحكم نفسها بنفسها و تحدد مستقبلها و مستقبل أبناءها بنفسها في اطار السياده الوطنيه الواحده . و لكنه للاسف تم استبدالها بالدوله المركزيه و اصبح مستقبل المحافظات و مستقبل أبناءها يتحدد من عدن ، و جاءوا الناس الى عدن يدافعوا عن مستقبلهم و مستقبل محافظاتهم . فلم يذهب ابناء لحج مثلا الى ابين لمقاتلة ابناء ابين ، و لم يذهب ابناء ابين الى لحج لمقاتلة ابناء لحج ، و انما الكل تقاتلوا في عدن على مستقبلهم و مستقبل محافظاتهم . و هذا يعني بأن الشكل المركزي للدوله هو الذي كان السبب الموضوعي لتك الصراعات و هو الذي اوجد الاسباب الذاتيه لها بكل تأكيد . كما انه لا بد من الاتفاق دستوريا ايضا على شكل النظام السياسي ما اذا كان رئاسياً ام برلمانياً ، و بعدها يتم الدخول في الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة ، لان الاتفاق الدستوري على شكل الدوله و على شكل النظام السياسي و بموافقة كافة فئات الشعب و قواه السياسيه ، هو أبجدية مشروعية الدوله و أبجدية مشروعية الديمقراطيه أيضاً.
ثالثا: استبعاد المؤسسات العسكريه و الامنيه دستوريا عن المشاركه في الانتخابات ، لانه يستحيل موضوعيا تحييدها و ابعادها عن السياسه و جعلها مؤسسات مهنيه الا بذلك . فهي مؤسسات وطنيه و وظائفها التي تبرر وجودها وظائف وطنيه مختلفه تماما عن وظائف الاحزاب . حيث ان الوظائف السياسيه للاحزاب هي وظائف حزبيه لصالح طبقات و فئات اجتماعيه على حساب طبقات و فئات اجتماعيه اخرى و ليست وظائف وطنيه لصالح كل الوطن . كما ان تحزيب اجهزة و مؤسسات الدوله المهنيه المحكومه بقوانين شروط الخدمه المدنيه و العسكريه تجعل الحزب هو الدوله و تجعل الدوله هي الحزب كما كان سابقا عندنا في الجنوب و أدى الى هجرة الكفاءات ، لان تحزيب الوظائف المهنيه نافيا موضوعيا للكفاءات .
رابعا: الاتفاق على صياغة دستور جديد يتضمن هذه القضايا و يتضمن إنتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشره و بحيث يمنع دستوريا إنتخابه لأكثر من دورتين إنتخابيتين مدة كل منهما خمس سنوات . كما يمنع دستوريا على من تجاوز سن السبعين او من لم يبلغ سن الثلاثين من العمر ان يترشح للمناصب السياسيه ، و يحرَّم تحريما تاما تعديل أي ماده في الدستور الا بإجماع مجلس النواب المنتخب و إستفتاء الشعب على ذلك التعديل مهما كان صغيراً و بحيث لا يعتبر الاستفتاء شرعيا الا بالاغلبيه المطلقه للمسجلين في القيد و التسجيل . و لابد ان يتضمن الدستور نمط تشكيل كافة الهيئات الدستوريه و القضائيه الموجوده في البلدان المتطوره و جعل القانون فوق الجميع .
ان هذا الميثاق ينطلق من مشروعيه سياسيه و قانونيه لا يمكن للعالم إلاَّ ان يقف معها، و هي محرجه لصنعاء و تسمح بالمرونه السياسيه المطلوبه .
(( انتهى ))