خاضت الحركة الوطنية الجنوبية بكل فصائلها وتنظيماتها المختلفة نضالا وطنيا رائعا من أجل تحرير وطنها من الاستعمار البريطاني حتى حققت الاستقلال الوطني الناجز في 30 نوفمبر 1967م, ولكن من عيوب الحركة الوطنية الجنوبية ومناضليها انها لم تدون وقائع نضالها في الوقت المناسب تحت مبررات متعددة مما جعل تاريخها وتاريخ شعبها عرضة للفقدان والإهمال والتشويه والتزييف, وبالتالي عدم نقل ذلك التاريخ الناصع للأجيال القادمة حتى تسير على هداه وتدافع عنه. ومع ذلك فإننا نلتمس العذر لذلك الجيل, فقد كان مستواه التعليمي محدود جدا.
لكن بالمقابل إننا لا نلتمس العذر لجيلنا اليوم الذي نال قسطا وفيرا من التعليم بأن يكرر الخطأ ذاته, فشعب الجنوب يخوض نضالا وطنيا شاقا منذ احتلال وطنه من قبل نظام صنعاء عام 1994م ووصل هذا النضال إلى ذروته باندلاع ثورة شعب الجنوب السلمية الحضارية التحررية عام 2007م, بقيادة قوى الحراك السلمي الجنوبي, ولكننا مع الأسف لم نجد من بين قيادات هذه الثورة من يهتم ويشجع على تدوين وقائع هذه الثورة. بل وجدنا من يرفض هذا المسعى تحت مبررات واهية. وسنبين هنا مثالين حدثا لي شخصيا:
الأول : كانت تعد حركة النضال السلمي الجنوبي (نجاح) أهم فصيل سياسي في الحراك السلمي الجنوبي من حيث اتساع قاعدتها الشعبية ودقة تنظيمها ورزانة نهجها, حتى انها الفصيل الوحيد الذي عقد مؤتمرا عاما في الفترة 23 ـ 24 ابريل 2009م في قرية المركولة بالضالع, وعلى اثر النجاح الرائع لانعقاد مؤتمرها اقترحت على قيادتها أن اقوم بتدوين وقائع المؤتمر والوثائق التي اقرها المؤتمر واسماء المشاركين فيه في كتيب صغير, وعلى حسابي الشخصي, حتى نحفظ ذلك للأجيال القادمة, وحتى نسهم في إيجاد نواة نضالية للحراك السلمي الجنوبي تمتلك كل المقومات التنظيمية والبرنامجية والسياسية, غير أن البعض رفض تحت مبرر السرية, وهو مبرر كاذب لأن ثورة الجنوب سلمية واهدافها معلنة وليس هناك ما يمكن إخفاءه, والبعض الآخر حسدا منه رفض لمجرد ان غيره سوف يقوم بهذا العمل. فذهبت تلك الوثائق ادراج النسيان. بل وذهبت حركة (نجاح) ذاتها في مهب الريح.
الثاني: بعد انعقاد ملتقى القاهرة في الفترة من 9 ـ 11 مايو 2011م اقترحت على قيادات الملتقى ان اقوم بجمع وتدوين أعمال ووثائق الملتقى في كتيب صغير وطباعته في القاهرة, وكل ذلك سوف يكون خلال بضعة ايام, وبتكلفة زهيدة جدا, وإذا ليس لدى منظمي الملتقى القدرة على ذلك يسلموا لي بعض الوثائق التي لم أحصل عليها.. وهي وثائق ليس ذات اهمية كبيرة, وسوف أعود إلى الوطن واقوم بالطباعة على نفقة أي مخلص جنوبي وهم كثر, حتى تصل تلك الوثائق إلى مناضلي ومناضلات شعبنا داخل الوطن بشكل كامل وسليم يستطيعون الاطلاع عليها والعمل بها وشرحها للآخرين. فكانت المبررات الواهية التي جابهتني في المثال الأول ذاتها. بل وأكثر منها بشاعة وقزازة. ولهذا لا غرابة ان وثائق ملتقى القاهرة نسخت ووزعت على مواطني شعب الجنوب بعدة أشكال ومضامين ومن قبل عدة جهات. فإذا كانت وصلت لجيلنا بهذه الصورة الشوهة . فبأي صورة سوف تصل للأجيال القادمة!!!
عدت من القاهرة قبل الموعد المحدد لعودتي والاسى يملى قلبي لأنني اسمع كل يوم من قيادات ومثقفي شعبنا أن تاريخ شعب الجنوب تعرض للتحريف والتشويه, وهو ادعاء قد تكون فيه جزئية صغيرة من الصحة, ولكن الحقيقة المطلقة إننا نحن أبناء الجنوب من أهملوا ويهملون تدوين تاريخهم. بل يقتلون تاريخهم بأيدهم.
عزيزي القارئ تصور ان شعبا مثل شعب الجنوب اليوم يخوض نضالا وطنيا كبيرا لتحرير وطنه, ولم تقم طلائعه السياسية والنضالية والثقافية بطباعة اي وثيقة برنامجية لنضاله أو تعريفا لقضيته, فكيف له أن يقدم رؤيته النضالية أو قضيته للآخرين ويطلب منهم تفهمها أو دعمها؟ فهل يقدمها لهم مطبوعة على ورق أو يقول لهم اقراؤها على شبكة الانترنت؟
وقد حدث هذا الموقف انني وبعض زملائي اثناء تواجدنا في القاهرة, ذهبنا إلى مقار الأدباء والكتاب والصحفيين المصريين لنحاول شرح لهم قضية شعبنا ونطلب منهم دعمها باعتبارهم قادة للرأي, فوجدنا تعاطفا كبيرا لدى البعض, وعدم ادراك ومعرفة لدى البعض بقضيتنا بشكل كلي, فطلبوا منا تزويدهم بالوثائق التي تشرح قضيتنا, فوضعونا في موقف لا نحسد عليه. فنحن لا نملك أية وثيقة وطنية جنوبية مطبوعة بشكل محترم عن قضيتنا يمكن تقديمها لهم ولغيرهم.