كثرت هذه الايام المؤتمرات و كثرت المجالس المنبثقه عنها و اختلطت الاوراق و ارتبكت العقول . و هذا ما دفعني الى هذا التوضيح لجماهير الحراك الوطني السلمي الجنوبي ، و هو على النحو التالي :
أولاً : ان الجنوبيين من حيث المبدأ فاقدون وطن و ليس سلطه ، و عليهم ان يفهموا انفسهم و يفهمهم الاخرون على هذا الاساس . و بالتالي فان من لديه الاستعداد من الاطراف الشماليه للحوار على قاعدة الشمال و الجنوب ، فان ايدينا ممدوده له . امّا غير ذلك فهو ضحك على الذقون و ضياع للوقت و تعقيد اكثر للقضيه . فاذا ما ارادوا ان يفهموا القضيه و يفهمون حلها ، فان عليهم ان يسلموا بان اليمن السياسي يمنان و انه شعبان بهويتين و بتاريخين سياسيين مختلفين كما كان في الواقع و كما هو موثق في المنظمات الدوليه الى يوم اعلان الوحده ، لانه بدون ذلك و بدون اعتراف الشماليين بشماليتهم و الجنوبيين بجنوبيتهم يستحيل فهم القضيه و يستحيل فهم حلها . ثم هل تدرك الاطراف الشماليه بان واحدية اليمن التي يتمسكون بها هي نافيه اصلا للوحده ، لان الوحده لا يمكن ان تكون وحدة الواحد ؟؟؟ .
ثانيا : اننا اذا ما انطلقنا من ذلك ، فاننا سنجد بان تفكيرهم لحل قضية الجنوب هو تفكير خاطئ و خارج عن الواقع الموضوعي الملموس ، و هو ضحك على الذقون و ضياع للوقت و تعقيد اكثر للقضيه . كما سنجد بان مطلب التقاسم في المجالس الجديده الذي يطرحه بعض الجنوبيين هو مطلب سطحي و خاطئ تماما و هو يعني القبول بالضحك على الذقون و القبول بضياع الوقت و تعقيد القضيه ، لاننا كما اسلفنا فاقدون وطنا و ليس سلطه . فبدون الاعتراف بان الحرب اسقطت مشروع الوحده و الغت شرعية اعلانها و اسقطت شرعية اتفاقياتها و دستورها قبل تنفيذها ، و بدون الاعتراف بان الوضع القائم في الجنوب قائم على نتائج الحرب و ليس على اتفاقيات الوحده و دستورها ، فانه يستحيل ايضا فهم القضيه و فهم حلها ، لانه بدون ذلك لا يمكن منطقيا وجود قضيه جنوبيه .
ثالثا : ان اصحاب النظام بعد ان اسقطوا مشروع الوحده بالحرب و استعادوا دولتهم كتحصيل حاصل لها ، قد اصبحوا ينطلقون في حجتهم تجاه المطالب الجنوبيه من المقارنه بين الوضع القائم و النظام السابق في الجنوب و يدعَّون بهذه المقارنه انهم حرروا الجنوب من نظامه السابق و يقدمون الجنوبيين و كأنهم يطالبون باستعادة نظامهم و ليس دولتهم . و هذه المقارنه التي ينطلقون منها ، هي مقارنه بلطجيه بامتياز ، لانهم يدركون بان شعب الجنوب فاقد دوله و ليس فاقد نظام . كما ان منظري النظام يحاولون الان جر الجنوبيين الى الدخول في حوار وطني شامل تحت مظلة الامم المتحده حتى يسقطوا قراري مجلس الامن الدولي المتخذين اثناء الحرب بقرار اممي ، و حتى يغلقون ملف القضيه . و هذه الحيله هي ما يجب الانتباه لها و رفض المشاركه في اي حوار من هذا النوع .
رابعا : ان مشاركة الجنوبيين في هذا الحوار هو دفن لقضيتهم ، لانه من الناحيه العمليه سيقام على قاعدة السلطه و المعارضه و ليس على قاعدة الشمال و الجنوب . و هذه الآليّه في حد ذاتها هي دفن لقضية الجنوب و تنازل عن قراري مجلس الامن الدولي المتخذين اثناء الحرب ، و هو ما تسعى اليه كل الاطراف السياسيه في صنعاء . فليس من المعقول حشر قضية الجنوب الوطنيه مع قضايا الشمال السلطويه ، لان مطلب كل الاطراف الشماليه هو اسقاط النظام . امّا مطلب الجنوبيين فهو استعادة ارضهم و ثروتهم المنهوبه ، و استعادة تاريخهم السياسي و هويتهم المطموسه ، اي ان قضية الجنوب هي قضيه وطنيه و ليست قضية سلطه . و بالتالي فان شرعيتها هي اقوى من شرعية اسقاط النظام . و لكنه بحكم ان العالم لا يرى حامل سياسي لقضية الجنوب الوطنيه ، فانه مستجيب لحشرها مع قضايا الشمال السلطويه ، و هو للاسف لا يعلم بان هذا الخلط يعقد حلها و يعرقل حل مشاكل الشمال المتفجره . حيث ان كل من القضيتين يؤثر حلها بشكل سلبي على الاخرى اذا ما حُشرت القضيتين في حوار واحد . و لهذا فانني انصح السيد جمال بن عمر مندوب الامين العام للامم المتحده بان يفصل بين القضيتين اذا ما اراد ان ينجح في حل الازمه ، و ان يدرك بان الفصل بين القضيتين هو الطريق الآمن و السريع لحل مشاكل الشمال المتفجره ، و هو الطريق العادل و الوحيد لحل قضية الجنوب المزمنه ، و عليه ان يدرك بانها لا توجد و لن توجد شرعيه لاي حل لقضية الجنوب مهما كان عادلا الا باستفتاء شعب الجنوب عليه .
خامسا : انه بفضل العمل الميداني للحراك الوطني السلمي الجنوبي قد اصبحت كل الاطراف الشماليه و العالم يتحدثون عن قضية الجنوب دون ان يفهموا نوعيتها و آليّة حلها ، و هو ما يدل على حضور القضيه و غياب اهلها . كما ان الحديث عنها هو اعتراف بها و يحصر الخلاف حولها في نوعيتها و آليّة حلها . فكل الاطراف الشماليه معترفين بها و يعتبرونها قضيه حقوقيه و يرون آليّة حلها في الحوار بين السلطه و المعارضه ، و نحن نراها قضية وحده سياسيه بين دولتين اسقطتها الحرب و حولتها الى اسواء من الاحتلال ، و نرى آليّة حلها في الحوار بين طرفيها اللذان هما : الشمال و الجنوب ، اي ان الخلاف حولها اصبح الان محصورا في نوعيتها و آليّة حلها ، و كل ذلك هو بفضل العمل الميداني للحراك الوطني السلمي الجنوبي .
سادسا : انني هنا اقول لاصحاب السلطه و المعارضه و ثورة الشباب في الشمال بأن قضية الجنوب لن تحل الا بالحوار بين طرفيها كما اسلفنا ، و خير دليل على ذلك السنوات العشرون الماضيه . فلا وجود الجنوبيين مع السلطه حلها ، و لا وجود الجنوبيين مع المعارضه طبّع الوضع في الجنوب . صحيح ان وجودهم موّه القضيه لعشرين سنه مضت ، و لكن شعب الجنوب يرى هذه السنين هي سنين احتلال و ليست سنين وحده ، و هذا ما يأكده الواقع الموضوعي الملموس . فما لم يكن حاملا سياسيا لقضية الجنوب يمثلها و يتحدث بأسم الجنوب لا يمكن حلها . و على الجنوبيين الذين تحتضنهم السلطه و المعارضه و ثورة الشباب في الشمال ان يدركوا بان هذا الاحتضان هو لأعتبارات جنوبيه ، و ان استمرار هذا الاحتضان مرهون بهذه الاعتبارات و سوف يغيب بغيابها . فلم يكن احتضانهم لثقافتهم أو لكفائاتهم أو لعقولهم ، لان في الشمال من هو افضل منهم بكثير ، و انما لتلك الاعتبارات . و انا متأكد تماما بأن اصحاب السلطه و المعارضه و ثورة الشباب لم يكونوا مقتنعين باطنيا بثقافة و كفاءة و عقول هؤلاء الجنوبيين ، و متأكد تماما ايضا بانهم يسخرون منهم و يسخرون اكثر من لهجتهم ، و انما كل ذلك للاعتبارات الجنوبيه كما اسلفنا ، و تحت وهم انهم بذلك سيدفنون قضية الجنوب ، و هذا ما برهن الواقع على استحالته . و لهذا فانه لا مفر للسلطه و المعارضه و ثورة الشباب في الشمال من الاعتراف بحامل سياسي لقضية الجنوب و الجلوس معه لحلها على قاعدة ان الوضع القائم في الجنوب منذ الحرب ليس وحده و انما هو اغتصاب بقوة السلاح ، و انه من حق شعب الجنوب أن يرفض هذا الوضع و يقرر مصيره بنفسه دون وصايه عليه .
سابعا : ان المجلس الوطني الذي اعلنه شباب الثوره في صنعاء و شمل اسماء زعامات جنوبيه في الخارج ، و المجلس الوطني الجديد الذي اعلنه اللقاء المشترك و شمل نفس الاسماء الجنوبيه و اضاف اليهم اخرين ، انما كل ذلك هو لجس نبض الشارع الجنوبي و الجنوبيين ، فاذا ما تفاعلوا مع ذلك فانه سينجح و برغبة الخصم السياسي الاخر له ، و اذا لم يتفاعل معه الشارع الجنوبي و الجنوبيين فانه سيفشل ، و قد يؤدي هذا الفشل الى صدام عسكري عنيف بين المتخاصمين في صنعاء . و اعتقد ان ما يقوم به علماء دين السلطه و علماء دين المعارضه في خطب الجمعه من تحريض و فتاوى دينيه ضد الفريق الاخر ، هو تحضير لهذا الاصطدام سواء كان ذلك بوعي ام بدون وعي . امّا المؤتمرات القبليه فهي التنفيذ العملي لذلك . و هذا الاصطدام اذا ما حصل سيؤدي حتما الى الغاء التعدديه الحزبيه و الى الغاء الديمقراطيه ، لان علماء الدين و الاسلاميين بشكل عام و القبيله و العسكر قد قبلوا بذلك في سبيل ابتلاع الجنوب و إلاَّ ما هي مصلحتهم في التعدديه الحزبيه و الديمقراطيه ؟؟؟ . هذا اذا ما انتصر اياً من الفريقين على الاخر . امّا اذا لم ينتصر اياً منهما على الاخر فانها ستكون حرب اهليه في كل محافظه من محافظات الشمال و سيسقط الجنوب بيد تنظيم القاعده . و هذا ما سيجبر الدول الكبرى على احتلال الجنوب لتأمين الملاحه الدوليه . هذا بالضبط هو ما سيحصل اذا لم تحل الازمه بالحوار .////// (( 21/8/2011م