ليس من المبالغة القول أن اليمن أصبح كالصومال وأفغانستان
تثير المناوشات بين حرس الحدود السعودي والمتمردين تهديداً آخر يخيم على اليمن. فحتى الآن تحملت المملكة العربية السعودية العبء الأكبر لعدم استقرار جارتها الجنوبية. فمنذ ثلاثة أسابيع قُتل مسلحان من القاعدة كانا يرتديان أحزمة ناسفة في نقطة تفتيش حدودية، بينما في أغسطس حاول انتحاري اغتيال الأمير محمد بن نايف، أحد الأعضاء البارزين في العائلة المالكة السعودية.
المتمردون الشيعة"الحوثيون" يدعون أنهم سيطروا على منطقة سعودية في الهجوم الأخير والذي قُتل فيه جندي سعودي واحد. السعودية من جهتها حريصة بشدة على حماية حدودها، لكن التمرد الحوثي يقف صامداً أمام الحل العسكري البحتّ. وسنجانب الصواب إن خلطنا بين هذا الحادث والحوادث السابقة، فبالنسبة للمشاكل المحلية في اليمن، لا توجد أي مجموعة طائفية تشكل نفس الخطر المحدق لجيرانها كالتي يشكلها الوجود المتنامي للقاعدة في البلد.
الحوثيون، الذين ينحدر ولاءهم للإمامة الزيدية البائدة، يقولون أنهم يقاتلون لأجل نيل حقوق سياسية واقتصادية ودينية. وبالمثل، فإن الحركة الانفصالية الجنوبية المنبثقة من بقايا انقسامات إعادة توحيد البلاد والحرب الأهلية في التسعينات علاوة على القبائل المسلحة تسليحاً عالياً وشبه المستقلة عن سيادة الدولة كل هذه مجتمعة تجعل من ادعاء صنعاء بوجود سلطة فيدرالية إدعاء واهياً في أفضل الأحوال.
فساد نظام الرئيس علي عبد الله صالح، وفشل الهوية الوطنية في الأخذ بزمام الأمور، والأهم من ذلك، الوضع الأمني المتقلقل، كل هذه الأمور كبحت جماح التنمية السياسية والاقتصادية التي تستطيع انتشال هذا البلد من الهاوية السحيقة. عوضاً عن ذلك، فقد أصبح الاستثمار مقتصراً على المساعدات الخارجية والتي غالباً ما تكون عسكرية. كما تهدد أزمة المياه القطاع الزراعي، فيما يبقي المحصول الأساسي "القات" معظم السكان في سبات عميق.
كثيرٌ من مشاكل اليمن لا تتسع إلا لحلول سياسية داخلية، مهما بدت هذه بعيدة. حرب الثمانية أسابيع على الحوثيين أبدت أملاً ضئيلاً في نصر عسكري حاسم، لكن نظام الرئيس صالح ما فتئ يتلاعب بمختلف الأطراف ويستخدمها ضد بعضها البعض.
ليس من المبالغة القول أن اليمن دولة "فاشلة". فشبح صومال أو أفغانستان جديد يهدد دول الخليج وما وراءها، ماثل في هذه المنطقة التي أصبحت أرضاً خصبة للجماعات الإرهابية، بما فيها القاعدة، بالإضافة إلى الخاطفين، ومافيا المخدرات،وشتى أنواع الأفعال الإجرامية، التي قد تصبح عدوى تمس حتى أكثر دول الخليج استقراراً.
للأسف، فإن تقييماً واقعياً للأمور يظهر أن اللاعبين الخارجيين يملكون من السلطة ما قد يجعل الأمور أسوأ لا أفضل. صنعاء تلقي باللائمة على إيران كونها "ترعى الحوثيين" وهو ادعاء تنفيه طهران، فيما صنعاء بدورها تتلقى المساعدة من السعوديين لمواجهة التمرد. في هذه الأثناء، تضخ الولايات المتحدة ملايين الدولارات لليمن بشكل مساعدات عسكرية، لكنها لم تستطع إقناع الرئيس صالح بأن يلقي القبض على مطلوبين من القاعدة.
لكن عواقب يمن فاشل أخطر من المسارعة إلى بناء سور حول البلاد وجعلها تتعفن. فدول الخليج بالتحديد، بما فيها الإمارات العربية المتحدة، تواجه المهمة الصعبة في الانخراط في جهد دبلوماسي دون تعميق الانقسامات، وفي تمويل التنمية الاقتصادية بدون الدفع للجماعات المتحزبة، وفي السيطرة على انتشار التهديدات الأمنية دون تغذية العنف. هذه مهمة ، سوف تحدّ من الأضرار حتى يرتب اليمن بنفسه بيته الداخلي.
صحيفة "ذا ناشنال الإماراتية".