ابو فراس الحود -
قال تعالى (( فَمالِ هؤلاءِ القوم لا يكادون يفقهون حديثا ))
ليس من عمل النقد الموضوعي تعداد العيوب والمثالب فحسب ،، وإنما ذكر وجوه
المحاسن والمناقب ، وكم هي عديدة مآثرنا وأمجادنا ، وما نختزنه أيضا من
مكارم وفضائل حقٌ لنا أن نفاخر بها في ميادين التضحيات والبطولات ، والهمم
والبذل ، والنبل والتقى ، والحكمة والسؤدد .
بيد أننا ندرك فداحة الخسائر التي منينا بها وكيف امتدت أيادينا ذاتها
لتحطيم ذاتنا بنزق وقسوة وجهالة !؟ مالذي انتاب عقل الانسان الجنوبي منذو
زمن طويل ؟! وأين إذن هذا العقل؟! وما قيمته ؟ إذا كان يوردنا مورد الفشل
والهوان!!
أليس العقل منتج الحضارة وصانعها؟! فما بال عقلنا أورثنا الخلافات اللامتناهية حينا ، والسذاجة والجهالة والضياع في معظم الاحيان !
لا يمكن النظر إلى أعراض هذا الخلل دون التعمق في جذوره وأسبابه وسبر
أغوار الثقافة التي تغمره ، وتتغشاه ، وتتزاحمه في وعائه وتشكيله العام.
وليس الأمر هنا حكما على فرد بعينه أو مجموعة بعينها , وإنما هو استشراف
للأداء العام لهذا العقل ودوره في ضبط الأماني والتطلعات الوطنية بكل
أوجهها السياسية والثقافية والاجتماعية الانسانية ...
وهذا
مالا أدعيه أنني ضليع فيه لكنني آمل أن ألقي في هذه البركة الراكدة الآسنة
بحجر عسى أن يحركها النقاش والحوار فتلامس شجوننا تلابيب العقل والوجدان ،
والموضوع في نظري لا يتسم بشيء من الجرأة أو التطاول ولا هو من قبيل نشر
الغسيل وإنما هو لاستجلاء ساحة للتفكر والتقويم والإصلاح .
حراكنا الجنوبي يواجه اليوم موجات عارمة مضطربة في المفاهيم والتصورات
والرؤى وتضارب الاتجاهات والتوجهات وتشقق متوالي يعكس حالة من الوعي
والتفكيرالعدمي في ظل غياب القيادة الرمزية القوية القادرة على إحداث
التاثير الايجابي وتوجيه دفة القيادة نحو بر الأمان .
نحس وكأن عقلنا قد فقد رصانته وتوازنه لكثرة تلك الثقوب التي طرأت على
جسده وأثرت في أدائه ، وكان حري بنا في ظل هذه التجارب القاسية أن نتعلم
كيف نعيد تشكيل عقلنا العام وحتى صياغة مصطلحاتنا ومفرداتتا وأواصر
علاقاتنا بطرق جديدة مبتكرة.
إن االتشبث بالموروثات الفكرية التي سادت زمنا في مرحلة النظام المركزي
الشمولي ، اضحى في عصرنا الحاضر ثقافة وفكرا ممجوجا طغى ردحا من الزمن على
عقولنا , لذلك نرى بين الحين والآخر أن ثقافة التقويض والإضرار بالأخر هي
التي تكاد تنتعش في لحظات الصدام والاحتقان فلا يزال ذلك النموذج السيئ
يلتصق ببعض العقل, وطرق تعاطيه مع المشكلات والأزمات. وأرباب هذه النزعات
بعللها النرجسية يفضلون المراوحة عند نفق المأزق بوعي سلبي عاجزين عن
انقاذ الموقف إمعانا لا أراديا في التقويض والتدمير.
يعذرني القراء لهذا الصراخ والجلد في الذات هو نوع من الترويح عن النفس ،
وحتى أن المرء يحس احيانا انه بحاجة الى أن يتقيأ من جور ما يعتصر في
داخله من اضطراب ( ... ) ، فالصورة تبدو غير منسجمة الالوان ، شيء ما
يفسدها !! وربما أشياء أخرى تدعونا للاعتقاد ان لعنة ما تلاحق هذا الوطن !!
كاتب العدل