الحكاية الرابعة:
المصرف اليمني (البنك المركزي) بالعاصمة عدن وغنيمة ودائع الذهب والعُملات الصعبة والمحلية
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من تلك الأيام الكئيبة والمظلمة في السجن المركزي بصنعاء، تعرفتُ على سجين ينتمي قبليا إلى أحدى القبائل الشمالية المشهود لبعض زعمائها في تاريخ الحروب المستعرة بين قبائل (الجمهورية العربية اليمني) وقبلها (المملكة المتوكلية الهاشمية ثم اليمنية !!) بالبطش والجبروت الهمجي أثناء الغارات والغزوات، والتي كانت تدار رحاها ولهيب اشتعالها في مختلف المحافظات اليمنية، سواء كان ذلك في عهد الأئمة الزيدية، أو في عهد رؤساء جمهورية (من قرح يقرح) وهي حروب ما زالت على أشدها حتى يومنا هذا. وخصوصا في محافظات (صعدة، عمران، الجوف، مأرب، البيضاء وذمار) وغيرها... ويحاول رموز الاحتلال المتخلف تعميمها وإذكاء مآسيها وخراب بيوتها على مناطق محافظات الجنوب، التي عرف سكانها نعمة الأمن والاستقرار من هذه الأساليب القبلية المتخلفة فترة زمنية في ظل دولة النظام والعدالة والمساواة، والتي يناضل أبناء الجنوب من أجل استعادتها بنضالهم السلمي العادل..
ولكي تتضح الحقيقة من هذه الحكاية الواقعية، فإن السجين اليمني الذي أفادني بروايتها، ، يمكن معرفة قبيلته من خلال ما يتضمنه هذا الزامل الشعبي (الحربي) من ترهيب وتخويف لقبائل البيضاء من قائد حملة الأمام (....) الذي كلف بإخضاع مناطق ما كان يسمى بقبائل (المشرق) التي تمردت ورفضت الانصياع لحكم الأئمة الزيدية، ويقول الزامل:-
يا درب ذي ناعم ويا حيد السماء شتخبرك كم جاءت من القبلة زيود(*) ؟؟
خمسه وسبعين ألف ذي عديتُ أنا من دولة الشامي توطي يا حيود !!!..
وتتلخص(الحكاية) بحسب ما جاء على لسان ذلك النهاب (و- م- الـ شـ)، وبصورة صادقة وبعيدة عن الزيف والتضليل، رغم أن البعض قد لا يصدق وربما يتهمني بالكذب وحبك الروايات الوهمية بهدف أثارة النعرات المناطقية والعنصرية وأيضا المساس بوحدة الضم والإلحاق أو التجني على الثوابت المؤتمرية !!.. كما هي التوليفة (الكليشة) الجاهزة لأجهزة القمع ومحاكم عصور الظلام القروسطية والباقية بكل سماتها المنحطة في عقلية نظام صنعاء،المتشبث بتقاليد وعادات لفضها التاريخ وتتناقض مع طبيعة السمات الحضارية لحاضر العصر المتسارع بتطوراته العلمية والتكنولوجية المذهلة من العقد الأول للقرن الواحد والعشرين !؟. فقد روى لي واقعة النهب العجيبة لذلك الكنز المودع لدى البنك المركزي الجنوبي والمسمى (بمصر اليمن) منذ عهد المزايدات وهواجس الأحلام الوحدوية لما بعد خمسينات وستينات القرن الماضي. حيث قال متباهيا بذاته: لقد كنتُ مع أربعة من زملائي الضباط في جهاز الأمن ضمن الفوج الأول من النشاليين الذين استباحوا مدينة عدن بالقوة يوم 7-7-1994م، اتجهنا صوب المرافق المهمة والمنشاءات المالية وبخاصة البنوك الحكومية المملوكة لدولة الجنوب، فكان حظي (كما قال) معهم تحطيم وتكسير بوابات البنك الرئيسية، فتمكنا تحت حماية فرقة مسلحة من الجيش من تفتيش المكاتب والخزائن الحديدية ونهب ما فيها من العملات النقدية الأجنبية المودعة في البنك الكبير الواقع في شارع العيدروس بكريتر أمام ميدان الحبيشي،والمعروف بالمصرف اليمني Central Bank of Yemen.. فأخذنا منها ما استطعنا من العملات الورقية الأجنبية وكميات من سبائك الذهبية المحفوظة (كما قال) في خزينة ضخمة استخدمنا في كسر بوابة إغلاقها طرق خاصة لمثل هذه العمليات المعقدة؟؟. وحين نجحنا بجمع تلك الغنيمة وشرعنا بالخروج من مسرح الجريمة، تفاجئنا بتدخل أحد كبار القادة العسكريين والمقربين من عائلة الرئيس الصالح حفظه الله ورعاه !!. فأجبرنا على تسليمها له شخصيا مباشرة وبدون تردد !!. ومقابل ذلك فقد استأذناه بالسماح لنا وحمايتنا بمواصلة تفتيش خزائن ومستودعات البنك، على شرط أن نبلغه بما أمكنا العثور عليه من عملات وأوراق نقدية وودائع بنكية، ولأننا نعرف طبيعة ذلك القائد النصاب والمتحذلق وقدراته في حبك المكايد والإيقاع بضحاياه، فقد أتبعنا أسلوب الحيلة والمراوغة ، مع براعة الإطراء والمدح الزائف بعبارات كانت بالنسبة لذلك المتعجرف تزيده تباهي وتفاخر والشعور بالمهابة والأهمية العسكرية، بالرغم أنه لا يرتقي أبدا حتى إلى مرتبة الشاويش أو العشماوي.
ومن خلال العلاقة الودية التي فرضتها ظروف السجن مع صاحب هذه الحكاية المثيرة، والتي مكنتني من معرفة أسباب ودوافع تهمة الزج به في السجن، فقد أصبت بالذهول وانتابتني حالة من الغبن وحسرات القهر النفسي، عندما أعترف لي ذلك (السجين) وأمام مجموعة من السجناء، بأن وشلته تمكنوا بعد خداع ذلك القائد المتعجرف من العثور على أكوام كبيرة من قطع العُملة المعدنية الخاصة بكسور الدينار (الشلنات) وهي متراكمة في ثلاثة مخازن بالطابق الأرضي للبنك، حيث قدر وزن تلك الكمية بحوالي مأتي (200 طن Tow Hundreds Tons ، من عُملة الشلنات وكسورها المعدنية والتي كانت إدارة البنك قد جمعتها خلال فترة (الخديعة الكبرى) المسماة بالوحدة الاندماجية، وخصوصا منذ أقرار عُملة الريال الشمالي كعُملة رسمية للتبادل المحلي.. فقمنا بتعبئتها في أكياس من الطرابيل الخاصة بخيام المساعدات التي كانت تقدمها منظمات الإغاثة الإنسانية لسكان مدينة عدن المشردين من بيوتهم والنازحين خوفا من القصف المدفعي والصاروخي على أحيائهم وعماراتهم السكنية. كما وضعنا خطة محكمة لنقلها بعربات الجيش بصورة سرية وفي مواقيت محددة من ساعات الليل، ووضعناها في مكان مؤمن، ألا أن تمكنا من نقلها بوقت مناسب إلى صنعاء،
وبحكم عدم معرفتنا وقلة خبرتنا بأهمية وقيمة ما تحتويه هذه الكمية من القطع المعدنية للشلنات وكسورها من عناصر معدنية مختلطة بنسب مختلفة مثل الفضة والكوبالت والنحاس وغيرها، فقد بقية في عهدت أحد الزملاء فترة ثلاثة أشهر، إلى أن قررنا البحث عن وسيلة تمكنا من كيفية التخلص منها، ولم يكن بخلدنا على أننا إذا بعناها سنحصل على تلك القيمة التي حصلنا عليها، فاتفقنا أن نشرك معنا أحد الفاسدين من السماسرة الكبار والذي تربطه علاقة مصاهرة وقرابة أسرية بأعلى هرم السلطة السياسية والعسكرية، والذي بدوره تبنى بيعها إلى شركة هندية متخصصة في عمليات صك المعادن الثمينة وتصريفها في أغراض صناعية، وكانت حصتي (حسب قوله) مبلغ 644 ألف دولار..
بعد ذلك طلب السمسار الكبير مني ومن زملائي، أن نقوم بمهمة أخرى تمثلت بقلع وسحب الكابلات الخاصة بخطوط شبكة الهاتف الأرضي، والتي تربط مدينتي الحوطة وزنجبار بمدينة عدن، تحت مزاعم تبديل الشبكة وتوسيعها، ولم نكن نعرف أن الشركة الهندية التي سبق شرائها لأطنان العُملة المعدنية (الشلنات) هي نفسها من أوعزت لذلك السمسار بهذا الطلب العجيب والمثير للحيرة الاستغراب!!؟؟. والذي بواسطته كلفنا أن نقوم بعمليات اقتلاع وانتزاع شبكة الكابلات وتجميعها في رولات كبيرة ومن ثم نقلها بقاطرات إلى الحديدة، ومن مينائها شحنت صفقة النهب والتخريب وتم تصديرها بطرق يتقنها أصحاب النفوذ والمعالي (حسب قوله)، فكانت حصتي من تلك الصفقة(الجريمة) هو مبلغ 348 ألف دولار. ويضيف قائلا أنه ومجموعته لم يدركوا أن تلك الكابلات لشبكة الهاتف الأرضي القديمة والمتينة، كانت تحتوي على أسلاك وشعيرات الألياف الضوئية لها مميزات ومواصفات لا يتقن سر استخداماتها إلا الراسخون بالعلم والمعرفة، وليس المحترفين بعمليات النهب والفيد لممتلكات دولة وشعب وقع بالمكر والخديعة فريسة لأطماع زعماء وحدة الاحتلال المعمدة بالدم، ومشاع لعصابات الخراب والتدمير.. ومنهم صاحب هذه الحكاية ومجموعته المارقة، والذي أقترف نتيجة أفعاله المشينة والحقيرة جريمة قتل أكبر أخوانه بسب تعنته وإصراره على عدم استحقاقه لحصته المشروعة من ميراث الأب المتوفى والمالك للمحلات التجارية، التي يدعي محترف اللصوصية والنهب غير المشروع بأنه هو من بناها بحر ماله، وليس لأشقائه وأهله وذويه أي حق من عائدات مغانمه الثمينة من ممتلكات شعب الجنوب المهزوم، والتي كانت الدافع لارتكاب جريمة قتل شقيقه وما ترتبت على هذه الجريمة الشنعاء من عواقب مأساوية، عقوبتها الشرعية والقانونية (الإعدام رميا بالرصاص حتى الموت)، إذا عدل ميزان العدل في عهد نظام شطارة الرشوة والفساد والقيم الانحطاط !!..
= وإلى أن نلتقي في تفاصيل الحكاية الخامسة (المناضل المرقشي ومبنى صحيفة الأيام بصنعاء لمالكها الملك فرعون)؟؟. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) درب ذي ناعم وحيد السماء، مناطق في محافظة البيضاء، والقبلة بالنسبة للبيضاء هي جهة الشمال وتشمل صنعاء وما حولها من مناطق القبائل الزيدية، حسب المفهوم الشعبي للاتجاهات الأصلية، بينما تقع البيضاء في جهة المشرق أي الشرق بالنسبة لصنعاء.