بشــير زعبيــة
نشرت مجلة ' نيوزويك' الأمريكية في أحد أعدادها تقريرا طريفا وجادا حول سوء استخدام الكتابة والتعبير في مواقع الرأي والدردشة على شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت)، واختارت في ذلك كوريا الجنوبية نموذجا حيث يعتبر الكوريون أنفسهم ' الشعب الأكثر اتصالا بالإنترنت في العالم'. وأشارت المجلة في سياق موضوعها الى مدى ما يمكن أن تؤدي اليه الكتابات السيئة وتحديدا الكاذبة أو ما أسمته بالاشاعة من تأثيرات سلبية خطيرة بين أفراد المجتمع وصلت حد تسجيل حالات انتحار تحت ضغوطات تلك التأثيرات وتداعياتها، مما جعل كاتب الموضوع يصف الحالة بـ ' القتل رميا بالشائعات'.. ولا يكشف أصحاب تلك الكتابات عن هوياتهم الحقيقية بل ينشرون ما يكتبون في الغالب بأسماء مستعارة أو بتوقيع ( مجهول)، وقد يكون هؤلاء قريبين من ضحاياهم أو مجرد أدوات في عملية تصفية حسابات بين أشخاص أو جهات ما .. ولأن المتعاطين مع هذه الشبكة العنكبوتية في بلدنا صاروا بالضرورة جزءا منها فلا بد أن تأثيراتها ستطالهم حتما، ومن يتابع ما ينشرمن مواضيع وتعليقات في المدونات والمنتديات والمواقع الشخصية سيرى حجم تلك التأثيرات بمضامينها السلبية التي تدخل ضمن مصطلح الشائعة التي تحدث عنها مقال الـ ' نيوزويك' بل وتتعداها في بعدها الكيدي الى القذف والتشهير وبأسلوب متدنّ في كثير من الحالات جدير بأن يتوقف عنده الأخصائيون الاجتماعيون ليشخصوا هذه الظاهرة ويحللوا مدلولاتها الاجتماعية والنفسية، وهي مدلولات لا أعتقد أنها بعيدة في توصيفها عن أعراض تشوه نفسي أو اجتماعي شأنه شأن العديد من التشوهات التي بدأت تظهر بشكل مقلق في مجتمعاتنا .. ان الذي يتلثم بقناع ( مجهول) أو يخفي وجهه باسم مستعار قابعا في زاوية ما وفي ليل ما أو نهار ـ لا يهم - ويعمل في الناس سبـّا وقذفا وتشهيرا لا يقف في استهدافه أفرادا بذاتهم بل يطال آخرين وهو يعلم أن ما يطلقه انما هو كذب وشائعات مغرضة مدركا حجم تأثيرها السلبي لا يمكن الا أن يصنف كمريض نفسي أو اجتماعي ينتمي الى فصيلة أولئك المرضى الذين قد يؤدي مرضهم بالضرورة الى إلحاق الأذى والضرر بالآخرين ..وان لم تصل درجة هذا الأذى في مجتمعنا الى الحالة التي رصدتها الصحيفة الأمريكية في مجتمعات أخرى وأسمتها ' القتل رميا بالشائعات' وهو قتل مادي متمثل في موت بعض ضحايا تلك الشائعات انتحارا أمام عدم السيطرة على انتشارها وتحول الى نوع من الضغط الاجتماعي أوقع هؤلاء الضحايا تحت أسر الشعور بالظلم والاحباط ثم العزلة فالانتحار يأسا، الا أن حالات من القتل المعنوي قد تحدث في المجتمع وهذا في اعتقادي هو الهدف الأساسي الذي يحرك هؤلاء ( الملثمين) كي يطلقوا رصاص الكره ( الكترونيا) ضد من يختلفون معهم في وجهة نظر ما، أو حتى الذين لا يروقون لهم أو لا يلتقون مع أمزجتهم أو يحسون تجاههم بنقص ما، أو يحسدونهم لمجرد نجاح ما حققوه .
قد يعلق أحدهم ويقول ان ما أذكره يمكن أن نسقطه على غير مجتمع حين نتصفح مواقع الرأي والحوار في ساحات أخرى فيما يمكن تعداده ضمن سلبيات التعامل مع كثير من ابتكارات التكنولوجيا، شأنه شأن البث الفضائي والهاتف المحمول وغير المحمول على سبيل المثال، وأجيب بـ ( نعم)، ولكن لا بد من الوقوف أمام هذه الظاهرة ومحاولة التعاطي العلاجي معها والمحافظة على مثل هذه الابتكارات كنعمة لا أن نحيلها إلى نقمة. وقد تبدأ محاولتنا مثلا عن طريق ترسيخ مزيد الوعي بما يمكن أن تؤدي اليه تلك الظاهرة من مخاطر اجتماعية ليس أقلها نشر الحقد والكراهية وخلق أجواء الريبة والشك وانعدام الثقة فيما بين أفراد المجتمع، وأولهم هؤلاء الذين ارتبطوا بعلاقة تعامل مع مجتمع ( الانترنت)، وأيضا تربية الجيل الجديد على ثقافة الاستماع الى الرأي المخالف وتقبل الاختلاف وفهمه على أنه دليل عافية، شرط الالتزام بأصول الحوار وتقاليده على قاعدة المسعى الجمعي نحو مشترك من شأنه التنوير والاضافة والاثراء، بما يساعد على انجاز خطوات مهمة في اتجاه انتشال المجتمع من تخلف يعيشه، والدفع به نحو مستقبل يصبح في الامكان أن يكون أفضل
' كاتب ليبي